تعمْلُقْ سلفيي دولة الخلافة الغائبة في صعدة أفضى برأس النظام سابقاً إلى مساندة جماعة الشباب المؤمن بزعامة حسين بدر الدين الحوثي، وما كان للحوثي وغيره أن يبارز السلفيين إلا بذات الاستدعاء التاريخي المُقطَّر لثقافة الكلام المطمورة في تضاعيف الماضي البعيد، وهكذا بدأ صراع محموم بين سلفيي مقبل الوادعي وحوثيي حسين بدر الدين، حتى جاءت لحظة الحقيقة الصعبة التي لم يتوقعها النظام، فقد رفض حسين بدر الدين الحوثي الانصياع لأوامر الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومن هنا بدأت حروب صعدة العبثية بين الدولة والحوثيين، وترافقت تلك الحروب مع خلافات متعددة الأبعاد مع شركاء الأمس القريب، فالاستبعاد الإجرائي للحزب الاشتراكي اليمني بعد حرب 1994م التي شنَّها مُكوِّن الشمال المؤسسي ضد المحافظات الجنوبية، تلاه استبعاد للإصلاح الأيديولوجي الديني وممثليه الإخوانيين المعروفين، فيما تم الإبقاء على المصالح الفردية الضيِّقة للمراتبية القبلية المندمجة مع المال والسلاح، وهكذ تشوه المثال العظيم للوحدة اليمنية التي تحولت إلى وحدة ضم وإلحاق، لصالح حفنة المنتفعين من الطغمة العسكرية البيتية القبائلية، وكانت تلك مقدمة كبرى لتوسيع دائرة خصوم النظام، وترافقت مع تجليات ميدانية جديدة وصلت إلى ذروتها في الانتفاضة السلمية الشعبية العارمة التي ارتدتها المشاريع السياسية الرائية للسلطة، والسلطة فحسب، وكان حوثيو ما بعد الانتفاضة طرفاً أصيلاً في معادلة التحالف ضد نظام صالح.. مع الإبقاء على مشروع الولاية المفقودة لآل البيت، باعتباره وعداً إلهياً قادماً، وكان على سدنة مشروع الولاية المفقودة تعبئة الشارع العامِّي بهذه المفاهيم الميتافزيقية، وصولاً إلى الحالة الراهنة، فالحوثيون اليوم لا يقفون عند تخوم مقارعة السلفيين التقليديين، وكل الإصلاح الإخواني أيضاً، كما أنهم يقدمون أنفسهم كحزب سياسي هو حزب (أنصار الله) المصمم وفق نموذج (حزب الله) في لبنان، لكنهم لا يقبلون بالانخراط التام في العملية السياسية، وبالتالي يقدمون خطاباً سياسياً مفارقاً للسلوك السياسي على الأرض، ويتقاطعون سلباً مع كامل المكونات النابعة من الحوار الوطني الشامل.. ناظرين بثبات إلى السلطة، ولكن دون السعي إليها وفق اللعبة السياسية التي ارتضاها الجميع في تسوية ما بعد نظام صالح. [email protected]