بعد أن طالت الطريق إلى تحقيق الشرق الأوسط الجديد في قلب العالم من قبل القوى الدولية التي تنطلق في قراراتها عبر خطط واستراتيجيات وبدائل للوصول إلى الأهداف.. فقد سعت هذه الدول إلى مراجعة البدائل و الاستراتيجية الجديدة للسيطرة على العالم في اختيار الانسب، ومن هذه البدائل استراتيجية الجغرافيا السياسية في إحكام السيطرة على أهم الممرات الملاحية في هذه المنطقة ذات الأهمية العالمية وبدون أية معارضة من دول المنطقة فبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في مارس 2003م في هذه الفترة توقع المراقبون ان هناك توجهات أمريكية اسرائلية لإعادة فتح أنبوب النفط الذي كان يربط مدينة كركوك العراقية بمرفأ حيفا قبل قيام دولة اسرائيل عام 1948 بعد أن سلمت بريطانيافلسطين إلى العصابات الصهيونية، التي انشأت اسرائيل على انقاض أهل البلاد الأصليين في العام 1948، فقبل هذا التسليم بعامين أنجزت بريطانيا خطي أنابيب النفط من العراق إلى ميناء حيفا، في عام 1946 الأول قطره 10 أنش، والثاني قطره 16 إنشاً ويمر عبر الأردن إلى فلسطين. وفي العام ذاته وضعت بريطانيا مشروعاً لخط انابيب نفط بحجم 30 انشاً من السعودية إلى فلسطين (تاب لاين ارامكو) ولم يجر تنفيذه إلا في العام 1950، وقد عُدل اتجاهه عبر مرتفعات الجولان السورية إلى مصب مصفاة الزهراني جنوب مدينة صيدا اللبنانية. وإلى مطلع الثمانينيات كان خط أنابيب النفط الصغير يعمل ويمتد إلى سوريا وصولاً إلى مصفاة طرابلس في شمال لبنان، قبل أن يتوقف عن العمل خلال الحرب العراقية الإيرانية ليعود تشغيله مجدداً في العام 2002، لكن فقط إلى سوريا فإعادة ضخ النفط العراقي عبر الأنبوب الذي كان يربط مدينة كركوك العراقية بمرفأ حيفا بإسرائيل باءت بالفشل بسبب أن تؤدي هذه العملية إلى تأكيد الشائعات حول وجود تآمر اسرائيلي أميركي للسيطرة على النفط العراقي. وأن الحرب برمتها جاءت لتخدم مصالح إسرائيلية بما في ذلك مصالح اقتصادية متعلقة بالنفط.. واختصار مرور السفن القادمة من دول أوروبا وأمريكا من دخول قناة السويس والبحر الأحمر ومضيق باب المندب ومضيق هرمز ولم تستطع خطط الدول الغربية وإسرائيل اقناع الدول النفطية في المضي بتنفيذ بنود مشروع الشرق الأوسط الجديد ويتضح للعيان انه تم التحول إلى بدائل الاستراتيجيات في السيطرة الدائمة للممرات المائية من خلال استغلال الخوف في البحر الأحمر وخليج عدن والذي أدى إلى إثارة القلق العالمي حول هذه الممرات المائية الهامة وانعدام الأمن فيها وقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف النقل والتأمين لسفن الشحن نتيجة لتواجد القراصنة الصوماليين خصوصاً ان الدول الغربية تجني عدة مكاسب من الأزمات حتى ان المراقب يجزم انها صنيعتهم وبالمقابل نلمس ذهولاً عربياً منقطع الفاعلية نتيجة لعد وجود أي تحالف عربي لحماية أمن هذا الممر الحيوي وحتى النظر إلى أزمة الصومال باعتبارها أزمة عربية والتعامل معها من منظور الأمن القومي العربي لإطلالتها على هذا الممر الحيوي الهام وغياب هذه الرؤية العربية الضعف والانكفاء والتباعد الذي تعيشه دول المنطقة كانت النتيجة الحتمية هي التواجد العسكري المكثف بعد قرار مجلس الأمن الدولي الذي يمنح الدول الحق في حماية مصالحها التجارية واستخدام القوة في مواجهة أعمال القرصنة كما يرى البعض إنها البداية لفرض السيطرة الأمريكية والأوروبية على الممرات الدولية وهذا يفسر حالة الارتباك والقلق الذي أصاب الدول المطلة على البحر الأحمر نتيجة لتواجد الأساطيل وحاملات الطائرات بحجة حماية الممرات المائية من القراصنة الصومال، ومن هذا المنطلق سعت السياسة الخارجية اليمنية جاهدة إلى محاولة حل بعض الأزمات في الصومال من خلال إدراكها خطط الفاعلين الدوليين في بسط يد الهيمنة على الممرات المائية في توظيف الأحداث والأزمات لصالحها لفرض تواجدها في البحر الأحمر وخليج عدن. فقد كانت التحركات اليمنية استباقية قبل بروز أزمة القراصنة الصومال، فقد بُذلت جهود ملموسة في البحث عن شريك صومالي قادر على فرض الأمن وإعادة بناء الدولة ، لتخفيف نتائج استفحال الأزمة وإخراج الصومال من صراعاته الداخلية إلا أنها فشلت لعدة أسباب منها عدم التعاون الجاد من بقية الدول العربية. كما ان اهتمام اليمن ومحاولاتها الجادة آنذاك في بناء الدولة الصومالية أوقعها في مستنقع اللعبة الدولية، فكان الاحتلال الأريتري للجزر اليمنية رسالة قوية لتدخلها في الوضع الصومالي مما جعل السياسة الخارجية اليمنية تنظر إلى الوضع المتفاقم في الصومال بحذر شديد رغم ان اليمن من أكثر الدول تضرراً من الأزمة الصومالية لتزايد عدد اللاجئين الصومال ويبدو للعيان أن المنطقة تعيش حالة من السلب لأبسط مقومات القوة بطرق مدروسة فقد تمت السيطرة على الممرات المائية من الدول الكبرى وقد أخذت هذه السيطرة التواجد الدائم والصفة الشرعية بعد قرار مجلس الأمن الدولي لا سيما أن باب المندب من أهم ممرات النقل والمعابر العالمية على طرق الملاحة الدولية لموقعه في قلب العالم وحلقة وصل بين الشرق والغرب. ومما زاد في أهمية باب المندب، أن عرض قناة عبور السفن، تقع بين جزيرة ميون والبر الأفريقي هو 16كم وعمقها من 100إلى200متر. مما يسمح لشتى السفن وناقلات النفط بعبور الممر بيسر على محورين متعاكسين متباعدين. وزيادة الطلب العالمي على نفط الخليج العربي. ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين بأكثر من 22000 قطعة بحرية سنوياً (57 قطعة يومياً). وتبقى أهمية قناة السويس وممر هرمز ببقاء باب المندب مفتوحاً للملاحة أمام ناقلات النفط. وتهديد هذا المضيق يعمل على تحويل السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح وقطع مسافات بعيدة ونجاح الدول الكبرى وحلفاؤها في السيطرة والتواجد الدائم في البحر الأحمر وخليج عدن وجميع الممرات والمضايق في الوطن العربي وتحت المظلة الدولية إنما جاء ذلك نتيجة لتباعد العرب عن بعضهم في الرؤى والتخطيط الاستراتيجي وعدم فرض تواجدهم الفاعل والأساسي في حماية الممرات المائية في خليج عدن والبحر الأحمر وبما يحفظ سيادتهم الدول وقدسية مصالحهم المشتركة في هذه الممرات العالمية وكما أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن مسؤولية الدول العربية المطلة عليه ويجب علينا كعرب أن نخرج من بوتقة التشرذم، فالخصم لا يهاجم إلا عدواً مهتزاً أو ضعيفاً أو متردداً بعد إنجاز مهام الحرب النفسية ضد الخصم وإضعافه.. ونحن العرب في وضعنا الحالي أثبتنا إننا لا نحتاج إلى حرب كي نهزم بل إلى تخطط وحرب دبلوماسية كفيلة بأن تجني ثماراً للعدو أكثر من أن يجتنيه من محاربتنا، فالكيان الصهيوني يوجه نحونا 300 رأس نووي. ونحن نوجه 300 محطة فضائية لأنفسنا ثلاث منها تعنى بشؤون الجمال والهرولة تبعاً لهم. وأحلافنا ومن ندور في فلكهم يصنعون لنا جغرافية جديدة تقطع أوصالنا من جديد ويوسع من ظاهرة الخلاف العربي العربي و تسعى الى احتواء الوطن العربي والإسلامي مستغلة بذلك الفراغ الحاصل فيه نتيجة ضعف القيادة العربية وغياب الوعي القومي العربي الرافض للإرهاب الدولي الممارس باسم الديمقراطية والشعارات المستهلكة والسعي الجاد إلى إحداث مواقف تضامنية عربية إسلامية تفشل وتسقط كل المشاريع التي تضع أبجدياتها الامبريالية العالمية، ولزاماً أن تبادر دول المنطقة إلى توظيف كافة المصالح المشتركة المتاحة لبناء نمط من التعاون البناء واستبعاد الصراع من معادلات العلاقات فيما بينها وإنشاء اتفاقية مشتركة لحماية جميع الممرات الملاحية في وطننا العربي وبالأخص أمن البحر الأحمر وخليج عدن ، فاليمن لها أفضلية نسبية في السيطرة على باب المندب لامتلاكها جزيرة ميون تلك الجزيرة التي أرعبت دول المحور في الحرب العالمية الثانية من أن تصل إليها الأساطيل الألمانية، وإذا فرطت اليمن في هذه الجزيرة أو قامت بتسليمها للمستثمرين العرب أو الأجانب خصوصاً وأن هناك طلباً من إحدى الأميرات منذ عام 2011 تتضمن رغبتها في الاستثمار وإنشاء محطات تزويد السفن بالوقود في هذه الجزيرة كمرحلة أولى ويبدو لنا أن الموافقة في هذا الظرف تعتبر تخلي اليمن عن تواجدها الفاعل في قلب العالم خاصة بعد التواجد الأمريكي السافر في هذا الممر الحيوي وتزايد النفوذ الاسرائيلي في الساحل الغربي لباب المندب «جبوتي وإثيوبيا» وإذا كان لابد من تواجد هذا الاستثمار يجب أن يكون من قبل الدولة لأهمية الجغرافيا السياسية لهذه الجزيرة كعتبة باب المندب في المياه الاقليمية الدافئة لليمن.