في زمن العولمة وظهور الشركات عابرة القارات وانتشار التكنولوجيا المتطورة؛ أصبح الإنسان في مجتمعاتنا يعيش في حالةٍ من التمركز حول الذات والأنانية التي تفرضها الحياة الحديثة، حيث يلهث الشخص للحصول على لقمة عيشه من أية جهة قد تكون غير مشروعة، فاقداً كل القيم والمبادئ التي نشأ عليها والتي يمليها عليه ضميره, يختصر الخطوات ويسابق الرياح متسلّقاً على رؤوس الآخرين ليحقّق النجاح والطموح على أشلاء الغير. أو تجده يحلم بالخلاص من القيود الاجتماعية أو التراثية التي فُرضت عليه ليتنفّس جو الحرية, يريد أن يثبت وجوده في الحياة أن يقول أنا موجود, أن يشعر أنه يعيش ويتنفّس, وأنه يحصل على حقّه في الحياة بحرية بعيداً عن رقابة المجتمع وقوانينه الصارمة, وفي هذا الجو المحموم من التمركز حول الذات. إذا توقّف هذا الإنسان بحثاً عنها فإنه لن يجدها, ففي الحالة الأولى هو فَقد ذاته عندما فقد هويّته وسمح للوحش الذي في داخله أن ينطلق دون قيود ليعتدي على حقوق الآخرين, وفي الحالة الثانية هو يتنصل عن مسؤوليته تجاه المجتمع الذي يعيش فيه والبيئة التي أثّرت فيه؛ يريد أن يكسر طوقه بالقوة غير عابئٍ بقوانين الزمان والمكان فيفقد وجوده الاجتماعي الذي يمنحه التفرُّد فيفقد ذاته أيضاً. هذه الأنانية والفردانية تغذّيها العزلة الاجتماعية التي فرضتها شبكات التواصل الاجتماعية, كون الإنسان يتواصل مع الآخرين عبر المجتمع الافتراضي الذي يجمعه بأشخاصٍ يشتركون معه في الاهتمامات في حقل العمل أو الدراسة أو الفكر والثقافة, وفي ذات الوقت يضعف تفاعله مع مجتمعه الواقعي؛ حيث تتأثر علاقاته بأفراد أسرته, ويقلُّ تفاعله مع الأحداث التي يمر بها مجتمعه. وهو يعيش في حالةٍ من خداع الذات؛ يظن أنه يصلح واقعه ويؤثِّر في مجتمعه عن طريق النقاشات التي تدور هناك، وفي الحقيقة؛ الواقع يبقى كما هو لا يتغير دون تفاعل الإنسان معه بشكلٍ واقعي وحقيقي. أما الشخص الذي يقاوم من أجل التمسُّك بتلك القيم العظيمة التي تحفظ حقوق الآخرين فإنه بالكاد يحصل على ما يسد جوعه ولكنه يعمل كالآلة دون توقف, وسيجد نفسه مجرد ترس في آلة المؤسسة أو الحزب أو الجماعة التي يعمل فيها ولم يحقق أحلامه وطموحاته التي طالما تمنّاها, حيث إن تلك المؤسسة تحرمه إظهار ذاته وتميُّزه وفردانيته؛ كذلك الشخص الذي يظل عبداً لقوانين المجتمع وعاداته وتقاليده يصبح نسخة مكرّرة من الآخر, ويكرِّس حياته ليرضي مجتمعه وبالتالي تنتهي حياته دون أن يعيشها كما كان يحلم ودون أن يترك أثراً. إنها المعادلة الصعبة كيف تحافظ على ذاتيتك دون أن تذوب في المجموع كلياً, وكيف تحافظ على انتمائك للمجموع دون أن تفقد ذاتيتك، فالحفاظ على العلاقات الاجتماعية أمر ضروري للغاية, ألم يقل عليه الصلاة والسلام: «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»..؟!. وكذلك الحفاظ على الذات وتفرُّدها أمر ضروري جداً؛ أليست كما قال الله تعالى: “كل نفس بما كسبت رهينة”...؟! ابحث عن حل هذه المعادلة ولا تضيّع حياتك بين جماعية مدمّرة أو أنانية مهلكة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك