فتن كقطع الليل المظلم تتقاذفنا، لا نكاد نفيق من واحدة حتى تظهر أخرى أشد منها، حتى يكاد المرء يصل إلى مرحلة الإحباط والكفر بكل ما حوله ومن حوله.. تعددت الرؤى والأفكار، ومن خلفها تعددت وتباينت الأهداف والغايات، وهنا لا أقصد التعدد والتباين الصحي المحمود، والذي يعد سنة من سنن الله في كونه، ولا التباين الذي يرفد المجتمع بالطاقات الإيجابية البناءة، ولكن للأسف ما يعانيه مجتمعنا اليمني اليوم هو التباين المدمر للطاقات والإمكانات.. وهو مدمرٌ لأنه في ظني ينطلق من منطلقات غير وطنية الانتماء، ولأنه يفتقد روح المسؤولية الوطنية والأخلاقية، سواء على مستوى الأحزاب السياسية، أو على مستوى التوجهات الفكرية المذهبية أو الطائفية، وحتى على مستوى المؤسسات الخيرية والحقوقية.. وكل يوم يشهد نسيجنا الاجتماعي تآكلاً جديداً لبعض من أجزائه المبنية على التآلف والانسجام، ما ينعكس سلباً على نواحي حياتنا المثقلة أصلاً بأوزار الماضي وضبابية المستقبل.. ومن بين كل هذه الإحباطات المتراكمة تتجلى بعض المحاولات المضيئة، لأصحاب النفوس الراقية، في إحياء الأمل في النفوس، وإضاءة الشموع في الدروب المظلمة، محاولات إيجابية للحد من تسلط قوى الشر والظلام، وعبثهم المدمر بأرواحنا المنهكة، من ضمن هذه المحاولات مبادرة رائعة قام بها شباب ما يسمى ب(ملتقى الرسالة الدعوي) وذلك بتنظيم مسابقة فكرية بسيطة، تحت شعار (الآل والصحابة.. محبة وقرابة) تعتمد المسابقة على قراءة كتاب يحتوي رسوماً وشروحاً بسيطة، تبين العلاقة الحميمة والمصهرات العديدة التي استمرت بين آل البيت الأطهار والصحابة الكرام رضوان الله عليهم لعدة قرون، ومن ثم الإجابة عن أسئلة تتعلق بهذا الموضوع. الجميل في هذه المبادرة أنها تهدف إلى خلق وعي جديد لدى عامة الناس بطبيعة العلاقة الودية بين آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام، بعيداً عن المشاحنات التي يبثها طرفا الخلاف الطائفي - المستحدث في مجتمعنا – داخل النسيج الاجتماعي اليمني البسيط، الذي لم يعرف مثل هذا التصادم الفكري منذ اعتناقه الإسلام طواعية مع بزوغ فجره.. وهي بمثابة صرخة مدوية في وجه كل من يحاول تمزيق وحدتنا الوطنية والاجتماعية، وزرع روح العداء والكراهية بين أبناء الوطن الواحد والملة الواحدة.. الحقيقة بالرغم من قناعتي العميقة بعدم جدوى مثل هذه المبادرات في التأثير على المنظّرين والمتشددين من كلا الطرفين؛ لما يربطهم بفكرهم من حسابات أخرى تعمق قناعاتهم وتغذيها، فتجاوزوا بذلك الفكرَ نفسَه الذي يؤمنون به، والمبدأ ذاتَه الذي يتحركون من أجله.. رغم ذلك إلا أنني أعتقد أن مثل هذه المبادرات الإيجابية يمكن أن تسهم بشكل جيد في رفع الغشاوة عن بصيرة فئة كبيرة من الناس، ممن يتميزون بالعفوية والبساطة، وعدم الارتباط بأي طرف، وهم بالمناسبة الفئة المستهدفة من الطرفين كليهما، كما أن مثل هذه المبادرات المباركة سوف تسهم في تصفية أذهان الناس البسطاء وأفكارهم من أحقاد وسموم المتصارعين على وسام (الحق الإلهي)، وفي الحد من تآكل النسيج الاجتماعي الناتج عن مثل هذه الصراعات المذمومة.. فشكراً لهذه النفوس الرائعة التي تسامت فوق غرور الذات الحزبية أو الفكرية.