القاتل اليوم إنسان مهووس بخلط الأوراق وقطع الطريق على أيّ تقدم في إذابة التباينات من خلال الشراكة في التأسيس لدولة حقيقية تقوم على أساس ديمقراطي, فكلما رأى هذا القاتل نار الحرب تخبو وجريان الدم يتوقف؛ عمد إلى اغتيال إحدى الشخصيات الوطنية لإبقاء نار القلوب مشتعلة ونهر الدم متدفقاً, كما هو الأمر مؤخراً في محاولة اغتيال الدكتور إسماعيل الوزير رئيس شورى حزب الحق الذي نجا من موت محقق, ولكنه فقد اثنين من مرافقيه في جريمة تستنكرها كل القيم والأعراف والشرائع. إن القاتل اليوم يبدو في حالة استنفار ليُزهق كثيراً من الأرواح حتى ترضى نفسه الخبيثة, ولن ترضى حتى يتم له ما يريد, وهي إرادة تتناقض كلياً مع إرادة اليمنيين.. ولو كان في من يعادي إرادة اليمنيين ذرة من خير أو تلاقٍ مع هذه الإرادة الشعبية لما سلك هذا الطريق من العنف الذي يكشف به عن إفلاسه وتخبّطه وجنونه وحتمية سقوطه ودفعه ثمن كل إثم اقترفته وكل قطرة دم أراقها. لكن الشيء المهم الذي أسعى إليه هنا هو ضرورة أن يعي اليمنيون أن سفاح اليوم يجد في الواقع اليمني ما يوفر له غطاءً نفسياً للاستمرار بهذا الإجرام, ويعلم الله كم في القائمة من مستهدفين, ومن سيكون التالي. إن القاتل يستفيد من حماقة الأداء الإعلامي وسعاره وإشعاله المعارك الوهمية بالوكالة عن الساسة, ويستفيد من حماقة السياسي حين يكون لعبة بأيدي المطابخ الإعلامية التي تنطقه بما تريد وتسكته متى تريد, وتستثيره لمهاجمة من تريد, وكأنه طفل لا يمتلك رؤية للحياة ولا يقدر موقعه في المجتمع تقديراً صحيحاً, والقاتل يستفيد أيضاً من إعياء الأجهزة الأمنية عن السيطرة على الواقع الأمني, لاسيما في ظل انتشار السلاح. والقاتل فوق ذلك يستفيد من تحكيمنا السلاح ومنطق الهيمنة في تعاملنا مع بعضنا, واستدعائنا لغة المذهبية والطائفية والجهوية حتى في خطابنا المدني الذي تفوح اليوم منه روائح الفرز والتعصب والأيديولوجيا وكأننا لا نزال نعيش في السبعينيات والثمانينيات. إذن واقعنا مليء بالثغرات التي نؤتى من خلالها وتلحق بنا الهزيمة.. ولكن هل يفهم الفرقاء السياسيون أن هذا الواقع غير صحي وأن أداءهم فيه يهيئ الأرضية المناسبة لتمرير قوى الشر مخططاتها إلإجرامية؟. سيكون على السياسي المُحب لوطنه أن يتخلّى عن أي تمترس يرى أنه يقود الوطن إلى الخراب مهما كانت درجة ارتباطه بهذا التمترس والطرف الذي يديره, فأن تكون منتمياً لأي حزب أو فصيل لا يعني أن أفكاره ستقودك كالأعمى, وستلتزم له بالدفاع عن كل خطوة يخطوها.. لا بد أن نتخلّى عن حزبية الأيديولوجيا إلى حزبية الموقف التي تؤمن بأن الآخر يخطئ ويصيب, وأن الذات ليست معصومة, فهي أيضًا تخطئ وتصيب. صدقوني إن الحزبية والتنوع على هذه الصورة لا يقود إلى مستقبل آمن, فالذي يبدو أن استمرار هذا الصراع والانتهازية المحمومة وشيطنة الآخر كلياً ستظل وباءً يُضعف قدرة الجسد الوطني على المقاومة, وبالتالي فلن يجد اليمنيون ما يحلمون به منذ سنين. أما قوى الشر التي تمضي اليوم في مسلسل الاغتيالات لإيقاف عجلة استمرار الشراكة حتى تنفيذ مخرجات الحوار, هذه القوى لن تحيد عن هذا المنهج الدموي مادامت حصون اليمنيين مهدمة من الداخل, ولا تسألوني عمن هدمها, فالسياسي يحمل معولاً, والإعلام يحمل معولين. [email protected]