في كتابات «السهروردي» و«ابن المقفع» أبعاد أخلاقية وقيميَّة، نابعة من استقراء عوالم البشر من خلال عوالم الحيوانات، كما هو الحال بالنسبة لكتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع، وكما هو الحال في «رسالة النمل» للسهروردي.. كما أن الآداب الإغريقية البيزنطية جمحت في مضاهاتها بين البشر والحيوانات حتى أنها اخترعت الكائن الأسطوري «القنطور» المكون من جسد حيواني ورأس آدمية، ما يمكن استعادة صوره المتخيلة في رسومات عصر النهضة الأوروبي، ومن عجائب القدر أن المباحث التجريبية الجينية الخفية في دهاليز مراكز البحث الغامضة قد تفاجئنا ذات يوم بكائنات تجمع بين الخصال والأشكال الآدمية الممتزجة بخصال وأشكال حيوانية، حتى تؤذن هذه الثنائية التفارقية بصاعقة أخلاقية، مُصداقاً لقول الحق في ما أسماها ابن كثير بداية النهاية للساعات الصغرى.. يوم تأتينا دابة على الأرض تكلم الناس بلسان مبين، وتحذرهم من مغبة التمرُّد على النواميس الإلهية الناظمة للكون والطبيعة والمجتمع. لقد كان الإمام محمد ابن محمد حامد الغزالى سبَّاقاً في استقراء الثنائية الحيوانية والإنسانية في الذات الآدمية.. في كتابه الهام بعنوان «كيمياء السعادة» والذي تحدث فيه عن الطبائع الناسوتية الآدمية، المقابلة للطبائع الحيوانية البهيمية، بوصفهما متداخلين في الذات البشرية التي تتأرجح بين المستويين، وتتقلَّب في معارج الحقيقتين المتضادتين، وتُناجز مشقَّة هذا التأرجح والتقلُّب، فطوراً تتوه في عوالم الوحشية والافتراسية والغضبية، وطوراً تحلق في هواء المعاني لتتناغم مع الجبر الإلهي المسطور في الخيار والاختيار، فتنال السعادة بقدر انتظامها في ناسوتية الناسوت، وإنسانية الإنسان. هذه الحقائق تتجلَّى في عالم اليوم كما كانت حاضرة منذ قابيل وهابيل، والمأفونون الافتراسيون المتوحشون تجاوزوا حدود الافتراس الحيواني القائم على معنى الضرورة والبقاء، ليمارسوا إبادة لنوعهم البشري، وقد كان أحد الفلاسفة مصيباً عندما وصف إنسان التاريخ بأنه ذلك الكائن الوحيد الذي يُبيد نوعه كما لا يحدث في عالم الحيوان. [email protected]