عندما نتحدث عن الأمية لا نقصد بها أمية القراءة والكتابة فحسب بل هناك أنواع متباينة وعديدة من «الأمية». هناك الأمية السياسية.. والأمية الثقافية.. والأمية الحضارية والتاريخية.. والأمية الأخلاقية والقيمية ...الخ، فكم من أكاديميين أو أدباء أو مؤرخين يفتقدون إلى فنون وعلوم السياسة، أو التاريخ والحضارة، أو ثقافة الأخلاق وفن الحوار والمحاورة أو أصول وفنون التقانات الحديثة.. فداء الأمية بين الشعوب والأمم - قديم حديث - فهو وليد أنظمة فاسدة.. وعادات وتقاليد بالية.. وأعراف قبلية جائرة.. ولذلك يعد داء الأمية سرطان العصر الحديث بل من أخطر الأدواء الاجتماعية التي تمزّق وحدة الأمة فكرياً وعقائدياً وثقافياً وحضارياً.. وتؤثر في عرقلة رقيها الحضاري والتنموي والاقتصادي والثقافي على فتراتٍ متتالية. لذلك لابد أن ننظر إلى هذه الآفة الخطيرة من منظور علمي متعدد الجوانب والاتجاهات والرؤى والأبعاد والأهداف الآنية والمستقبلية والاستشرافية.. فالمشاركة المتكاملة من قبل جميع المؤسسات الخاصة والعامة، والمنظمات المدنية والحقوقية والإنسانية، والنقابات والاتحادات بكافة تخصصاتها المهنية والفنية والحرفية - محلياً وإقليمياً وعربياً ودولياً - وأخص القطاع النسوي بصفة خاصة، لأنه لا يستقيم المجتمع.. ولا يرتقي إلى أوج العلا إلا به.. لذا يتطلب دوراً فاعلاً ومؤثراً وهادفاً لدعم تلك الحملات التوعوية لمكافحة داء الأمية الذي ينخر في عظام وعقول تلك المجتمعات النامية كالسوس. فالقضاء على محو الأمية الثقافية والحضارية والتكنولوجية والتعليمية والأخلاقية والقيمية والدينية يحتاج إلى تكاتف كل القوى الوطنية.. ويتطلب تضافر كافة الجهود والإمكانات والقدرات على المستوى الرسمي والشعبي.. داخلياً وخارجياً.. فالحكومة مسؤولة مسؤولية مباشرة وأساسية ومحورية على تلك الحملات عبر قنوات مختصة في وزارة التربية والتعليم ممثلة بالجهاز المركزي لمحو الأمية - الحاضر الغائب- الذي يقوم بوضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج والدراسات المقننة لتنفيذ تلك البرامج والخطط عبر إمكانات ووسائل ومستلزمات مشروطة ومقننة بالتعاون مع الجهات والمؤسسات والمنظمات ذات العلاقة - محلياً وإقليمياً وعربياً ودولياً - للاستفادة القصوى من خبرات وتجارب ودراسات وبحوث وأبحاث تلك الشعوب والأمم والدول التي سبقتنا في هذا المجال.. فالدعم لابد أن يكون شاملاً ومستداماً.. يشمل كافة الإمكانات المادية.. والعلمية.. والفنية.. والتكنولوجية.. والتوعية الثقافية عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المقروء والمسموع والمواقع الإلكترونية.. وفتح الأبواب على مصراعيها أمام أية هيئة أو منظمة طوعية محلية كانت أم خارجية للإسهام والتفاعل في تفعيل تلك التظاهرات والحملات التوعوية الشاملة لمكافحة داء الأمية بشتى أنواعه وأشكاله وصوره.. على أن تكون تلك التظاهرات والحملات التوعوية بصورة مستمرة ودائمة، وليست مناسباتية أو موسمية حتى نستطيع استئصال خلايا سرطان الأمية بكافة أنواعها من جسد أفراد المجتمع، ريفاً وحضراً. لذا لابد من وضع آلية مبرمجة ومدروسة من قبل جهات الاختصاص حتى نضمن تفاعل ونجاح مسار تلك الإسهامات والمشاركات في تحقيق أهدافها المرسومة لها.. بعيداً عن العشوائية والارتجالية.. وكما نعلم بأهمية إصدار القرار السياسي الملزم والصريح في تفعيل دور ومهام تلك الحملات والتظاهرات التوعوية التثقيفية في القضاء على فيروس الأمية الذي بات يهدد رقي وحضارة وازدهار الأمم والشعوب والدول. من هنا علينا أن ندرك مدى تأثير تلك الموجات الانتفاضية الثورية التي اجتاحت دول المنطقة، ومازال أوارها ودخانها يعانق عنان السماء على المتغيرات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية ليس على صعيد دول وشعوب المنطقة بل على كافة الصعد - إقليمياً وعربياً ودولياً - رغم هذا وذاك ما فتئ فيروس الأمية القاتل يعشش في عقولنا، ويفتك بحضاراتنا وثقافتنا وعقيدتنا وقيمنا وعروبتنا بسبب التنشئة المتمذهبة.. والعادات البالية.. والتعبئة الدينية المتطرفة.. والأعراف القبلية التي تتنافى مع قيمنا وتعاليمنا ومبادئنا كمسلمين.. كل هذا ناتج عن رواسب وتراكمات الماضي ومخلفاته البغيضة.. والنظرة القاصرة والدونية في تعليم المرأة التي جعلتها حبيسة الجدران خاصةً في القرى النائية وبعض أريافنا اليمنية. خلاصة القول: لابد من تضافر وتعاون ودعم الكل من مؤسسات عامة وخاصة، ومنظمات وهيئات.. واتحادات ونقابات سواءً على المستوى المحلي أو العربي أو الإقليمي أو الدولي حتى نستطيع ضمان واستمرارية وتفاعل تلك الحملات التوعوية الهادفة للقضاء قضاءً مبرماً على فيروس الأمية القاتل.. وحتى نحقق كذلك أهداف الحملة الشاملة المستدامة.. ويصبح التعليم عام 2015م للجميع ذكوراً وإناثاً.. صغاراً وكباراً.. في الريف والحضر.. في الجبال والسهول والوديان.. بل في كل شبر من أرض الوطن الحبيب!.