عندما نكون حديثي عهد بالحرية والديمقراطية، فإنهُ ليس غريباً أن نقع في الخطأ، لأن كل شيء في الدنيا يكون في بداياته ركيكاً وهزيلاً؛ فالأمر ليس حكراً على تجاربنا العربية، لكن - رغم ذلك - علينا أن نعرف كيف نتعامل مع هذا الهزال وتلك الركاكة. ربما لم نحظ في تاريخ أمّتنا بحاكم حاول أن يصنع شعباً باستثناء عهد النبوّة الذي كان الأمر فيه عائداً إلى النبي محمد، الذي كان من أهم أولوياته “صلّى الله عليه وسلّم” في نشر الدعوة أن يخبر الإنسان أنه حر، وأن يعرّفه بطريقة التعاملات السوية مع الآخرين فيما نسميه نحن اليوم «الدولة المدنية» كان حينها الحلم والهدف لرسولنا الكريم “صلّى الله عليه وسلّم” وما كان بعد زمانه؛ ما كان إلا لنيل السلطة وحسب. يصنع المتصارعون على السلطة جيوشاً قوية، وربما دولاً ثرية أيضاً؛ لأن هذا يصب في مصلحة صراعاتهم، واستمر هذا الصراع حتى العصر الحديث، وبالطبع لا يكون هذا إلا مصحوباً بقمع فكر الشعب وحريته، واتباع سياسة التضليل والتجهيل معه..!!. إن أهم ما نحتاجهُ عقب ما كان من ثورات في الوطن العربي هو نظام ينجح في خلق حوار مباشر مع الشعب بكافة أطيافه، بالطبع لا أقصد أن يكون رقم الرئيس الشخصي مع الشعب كما يحدث في الأفلام الكوميدية؛ بل لعل هذا الحوار هو الحوار الوحيد الذي لا لسان له إلا الفعل، من خلال أن يشعر البسطاء أن هناك من يعمل من أجلهم ويحاول جاهداً تسهيل سبل العيش الكريم لهم، وأن يلمسوا ذلك شيئاً فشيئاً حقيقة وواقعاً. ربما ليس من الآمن أن نثق كثيراً بالساسة، خاصة عندما يستحيل الوطن إلى فريسة يكثر حولها الطامعون، لكن من المهم جداً أن نثق كثيراً بأنفسنا، وأن نعي جيداً أن لنا دوراً حقيقياً في الخروج بوطننا من هذا المأزق التاريخي، وعلينا قبل أن نتشدّق بالوطنية وحب الوطن، وقبل أن ندافع عن هذا الحزب أو ذاك، أن يوجّه كل منا سؤالاً إلى نفسه: إذا كان الحب دون عطاء كذبة كبيرة؛ فماذا قدّمت أنا للوطن الذي أدّعي حبّه..؟!. بالتأكيد إن كل ما سأقدّمه أنا وأنتَ وأنتِ، أمور بعيدة كل البعد عن السلاح ونزف الدم، إلا من كان منا ينتمي إلى المؤسسة العسكرية؛ فإنهم أقدر على حمل السلاح، وأكثر دراية به وبمواطن استخدامه، أما نحن وفي هذه الفترة الحرجة من تاريخ وطننا النازف، فعلينا أن نعمل بنشاط على نشر قيم التسامح والإخاء وتوحيد الصف الوطني، وألا نسمح للاختلاف أن يتحوّل بيننا إلى خلاف نخشى ويلاته على أمن وطننا ومستقبل أجيالنا. إن الاختلافات والنقاشات الحادة التي مرّت بنا منذ قيام ثورة الشباب كانت كفيلة حقاً بشق الصفوف وملء بعض القلوب بالكره والحقد والبغضاء، رغم أن اختلافنا مع هؤلاء لا يثبت أننا نحب وطننا أكثر منهم، ولا ينفي حبهم لهذا الوطن. إن نبذ الفُرقة ونشر روح المحبّة والوحدة الوطنية والشعبية بين أطياف هذا المجتمع من أقدس الواجبات في هذه المرحلة وأهمها وأعظمها عند الله، ومن أثقل ما يمكن أن نؤلم به عدوّنا وكل من أراد بنا وبوطننا سوءاً؛ فكم هو جميل أن نكون أهلاً لهذا الحب الكبير وهذا الأجر العظيم.