إن كان ثمة وطن يجب أن يحتفي بعيد العمال، ويجعل لهم إجازة فيه، إن كانوا يؤجزون فيه أصلاً، فأحياناً يؤجز في عيدهم جميع الناس إلا هُم، فلن يكون غير هذا الوطن، لسبب واحد هو إننا كلنا عمال، يعني كلنا نعمل ليلاً ونهاراً، باستثناء أصحاب الكراسي والمعالي، أما باقي الشعب كبيرهم وصغيرهم “عمال”، حتى المرأة في بيتها في معركتها مع التنور والعصيد، وفي ملاحقتها للأطفال ليلاً ونهاراً، الذين يجب أن لا تفصل بينهم أكثر من مدة الحمل، هي أيضاً عاملة، وعاملة كادحة أيضاً، حتى الأطفال في اليمن، والعجائز تزدحم بهم الأرصفة والورش والبناشر والعربيات ووووو..... وليت كل هؤلاء على كدحهم وصبرهم وتفانيهم يلاقون في هذا الوطن شيئاً بالمقابل، خاصة في القطاعات الخاصة، التي يُعامل فيها الإنسان معاملة لا تليق حتى بالجوامد، فيُذلون ويُهانون ويُسحقون، ثم لو يصيبهم أي مرض أو إصابة تؤدي إلى إعاقة، يُلقون في الشارع، تماماً كما تُلقى النفايات، وتتكوّم فوق بعضها في شوارعنا الجميلة وأهمها العاصمة، ويؤتى بمن مازالت لهم صلاحية للاستخدام، ثم يحددون لهم تاريخ انتهاء، ليُلقون في الشارع حتى قبل تاريخ انتهائهم. فمن يصدّق كيف يُعامل المدرس في المدارس الخاصة، فالطالب نفسه والإدارة تعامله كأجير، فللطالب أن يتصرّف معه كيف يشاء، يرفع صوته عليه، يعيد له الدرس كيفما شاء، يتطاول عليه، كل هذا لا يهم، مادام كان موظفاً عندهم يدفع له مالاً يسد رمق نفسه، وليس من يعول، فهو حينها كالعامل في السخرة، التي كان يعمل فيها المساجين قديماً، وربما هم أحسن حالاً. والمتأمل في حال عمال النظافة فقط، يجد ما يشيب له الرأس، وما يعجز المرء عن وصفه أو تحمله، فقطعان الحيوانات في الغابات الاستوائية تعيش حياة تفرق حياتهم بكثير، على الأقل بعيداً عن المذلة والهوان والفقر والجوع. فهم الفئة الأشد فقراً ومرضاً وجهلاً، ونحن نسهم في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، وليس غيرهم من العمال يأتي قطاع من قطاعات الدولة بأحسن حال، فكم ناضلوا ومازالوا يناضلون من أجل تثبيتهم، على الرغم من كل الإضرابات التي قاموا بها، وكل المسيرات والاعتصامات والأمراض والأوبئة التي حلت بالناس من القمائم المتراكمة، في مجتمع ، ترى واحداً في الألف لا يرمي ما يبقى في يده إلى الأرض، هذا فضلاً عن البصق بعد القات في كل زاوية ومكان، ومع ذلك لا يسلم هؤلاء العمال من المجتمع الذي ينظر إليهم بانتقاص، على الرغم من أن استمرارهم في الحياة لا يمكن بدونهم. فهل يشكل هذا العيد ضرباً من ضروب الإنصاف الذي يستحيل أن يتحقق، أين إنصافهم بحقوقهم ووظائفهم ورواتبهم، والتأمين على حياتهم، ومساعدتهم في شراء أدويتهم وعلاجهم، في وقت لا يعاني فيه أحد معاناة العامل في كل المجالات، ثم هل تنظر إليهم الدولة نظرة شفقة، فيهبون لهم منحاً علاجية وإكراميات، ويثبّتون متعاقديهم، وينظرون إلى أحوال معيشتهم المضنية في بيوت الإيجار، وتحت خط الفقر بآلاف الكيلوهات، وهل يشكّل هذا العيد بالنسبة لهم تكريماً، وهم لا يكرّمون فيه، أو تشريفاً وهم أكثر من يُهان في وطن تختلط فيه الإهانات والمظالم مع الهواء، لكن مع ذلك يبقى العامل هو ذلك المكافح الكادح الذي تحرقه أشعة الشمس دون رحمة، وتحفر الأتربة والإسمنت ومواد السباكة والحدادة والنجارة أخاديدها في قلبه وروحه قبل أنامله وجسده، وأكثر ما يزيد الوضع إيلاماً وسوءاً هو نظرة المجتمع إليه بانتقاص، مع إننا لولاهم لما كان لنا شيء، فبحبّات العرق التي تساقطت من على جباههم ارتوت قلوبنا وعقولنا وكبرنا وتعلّمنا وأكلنا وشربنا، ويُشهد للعامل اليمني بالذات داخل اليمن وخارجه صبره وتفانيه وإتقانه. فلكم التقدير والاحترام والدعاء، والإنصاف الحقيقي منا في يوم عيدكم الذي يبدأ مع فجر كل يوم فيه تنحتنون في الصخر لنعيش نحن، سلمت أكفّكم ومن الله أجركم.