الانتخابات كمفهوم وعملية تمثّل آلية جديدة للصراع السياسي على السلطة بين القوى الطامعة بولايتها والطامحة لإدارتها تم التوصل إليها بعد تاريخ طويل من الصراع الدامي العنيف وعلى ضوء التطوّر الفكري الذي اتجه بالصراع السياسي إلى العلنية والسلم وأعاد تنظيمه على مبادئ التعدّدية والسيادة الشعبية وغيرها. ولأن الانتخابات آلية لإدارة الصراع على السلطة وحسمه سلمياً؛ فإنها مجرد وسيلة محكومة بمنظومة كاملة ومتكاملة من القواعد الناظمة للعمل السياسي والمؤسسات الحاضنة لهذا العمل في سلطة الحكم والمجتمع، ولا تكون الانتخابات حقيقية بمفردها مالم تكن تعبيراً عن حقيقة سياسية قائمة في النظام العام وسلطة الحكم، وتجسيداً لحقيقة دستورية توافقت عليها قوى الصراع وتعاقدت عليها كمرجعية حاكمة للمجال السياسي وملزمة لقواه الفاعلة. هنا تبدأ الانتخابات حضورها في المجال السياسي من عقد اجتماعي ملزم بحق الاختلاف وشرعية الصراع على السلطة ومبدأ التداول السلمي للسلطة وسيادة القانون والسيادة الشعبية والتمثيل النيابي وغير ذلك من المبادئ المنظّمة للحرية والمساواة والعدل وحقوق الإنسان، وفي هذا النظام يأتلف الاختلاف في سلطة واحدة، ويختلف في إدارة تتنافس على ثقة الناخبين دورياً وتتداول سلطة جامعة للأقلّية والأغلبية على الحق العام وإدارة متغيّرة. في الوطن العربي، حضرت الانتخابات خارج سياقها الطبيعي في النظام العام ومؤسسات الحكم، فكانت وسيلة للتسلُّط وتأبيد القابضين على السلطة في نظام لم يتوافق بعد على العقد الاجتماعي، ولم ينظم هذا التوافق في مبادئ ومؤسسات؛ إذ بقي الاستفراد مهيمناً والاستئثار حاكماً، والديمقراطية ادعاء لا مصداقية له في خطاب أو ممارسة من القوى السياسية في السلطة والمعارضة، وما جرى بعد انتفاضات الربيع العربي خير برهان. قد تكون الخطوات السياسية في تونس بداية واعدة بتحوّل ديمقراطي حقيقي إن تواصل التوافق بين قوى الصراع على نظام جامع وإدارة متغيّرة؛ لكن ما يجري في أقطار أخرى لا ينتمي إلى هذا التحوُّل، وإن كان استحقاقاً سياسياً حاضناً لمولّدات التحوُّل الحقيقي إلى الديمقراطية بحكم التطوّر التراكمي في حركة التاريخ البشري والمعارف المتجدّدة بالإضافة والإبداع. ليست شكلية الانتخابات العربية قائمة في الحسم المسبق لنتائجها فحسب؛ بل في غياب الأطر المنظمة لها دستورياً ومؤسسياً، ومالم يتم التوافق على وحدة السلطة وتغيير الإدارة؛ فإن الانتخابات ستبقى شكلية مفرغة من محتواها القيمي والمؤسسي ومغيّبة؛ ليس فقط بفوز الحاكم دائماً وإنما بغياب إطارها السياسي والمؤسّسي. [email protected]