في 27 أبريل 1993م شهدت اليمن أول ممارسة حقيقية للديمقراطية في الوطن العربي وتاريخه المعاصر, وكانت هذه الممارسة نتائج تطوّر طبيعي في الإطار التاريخي للنضال الوطني الهادف إلى التحديث السياسي والتنمية الشاملة والتوحيد الوطني, حين جسّدت الوحدة معناها التعدُّدي؛ متحرّرة من الواحدية المستبدة والممزقة للأوطان والمجتمعات. ورغم أصالة ومثالية هذه العملية الديمقراطية؛ إلا أن القوى السياسية الممسكة بالسلطة في مرحلتها الانتقالية لدولة الوحدة الوليدة خاضت هذه الانتخابات قبل اكتمال شروط ممارستها في بُنية السلطة ووظائفها وفي مجال علاقتها بمبدأ التداول السلمي للسلطة, وضوابط التحوّل بين الأقلّية والأكثرية, أي في تحوّل الأحزاب من سلطة الحكم إلى المعارضة والعكس. دخلت الأحزاب اليمنية الانتخابات قبل أن يستكمل شريكا التوحيد الاندماجي للشطرين بناء دولة الوحدة وفق الاتفاقيات التي قبلا بها, ولم يقيّدا نتائج هذه الانتخابات بضرورة التوافق بين شريكي التوحيد فيما يخصُّ بناء دولة الوحدة ونظامها السياسي ومؤسسات السلطة الحاكمة, لذلك دخلت الوحدة ودولتها وتجربتها الديمقراطية نفق أزمة ولّدتها دعوى الاستقواء بالأغلبية العددية في المجلس النيابي، وذهبت بها إلى كارثة حرب صيف العام 1994م. بقي من الوحدة وديمقراطيتها الناشئة هامش يعزّز جدل العلاقة بين الوحدة والتعددية؛ ولكنه يقيم سلطة الفرد وعصبياته العائلية والعشائرية, فظلّت الأزمة الوطنية قائمة في الواقع ومتحركة به نحو آفاق تجاهلتها القوى السياسية وأحزابها في السلطة والمعارضة لتصل إلى نهاية الانسداد الشامل بحكم تراكماتها على مسار القضية الجنوبية, وفشلت الأحزاب في تسويتها بعد تعطيل الاستحقاق الديمقراطي عامي 2009 و2011م, والدخول إلى فرصة سياسية جديدة صنعتها انتفاضة شعبية وحراك احتجاجي سلمي مطالب بالتغيير في العام2011م. وحين لاتزال الفرصة السياسية سانحة وقائمة رغم تعثُّر مساراتها في تحقيق التغيير الشامل الذي هتفت به الجماهير؛ فإن الواقع وامتداداته التاريخية المتجسّدة في التعددية الموحّدة تفرض علينا أولاً استعادة الشراكة التي اغتالتها الحرب وما ترتب عليها بصورة تجسّد روح الشراكة وتراعي التطوّرات التي تجعلها مفترقة ومختلفة عما كانت عليه في العام 1994م, وتفرض علينا ثانياً التمسُّك بالمعنى التعدّدي للوحدة الحقيقية؛ ذلك أن المتعدُّد هو الذي يتوحّد, أما الواحد فحتم عليه أن يتعدّد. لم يتكرّر يوم الديمقراطية في تاريخنا الوحدوي بعد 1993م، وفي الطريق إلى استعادته على ضوء وثيقة الحوار والدستور المرتقب, نأمل أن تجيء عودة اليوم الديمقراطي متحرّرة من أزمة الاستقواء بالأغلبية للانقلاب على الوحدة والديمقراطية, فقد علّمتنا التجربة حتمية التلازم بين الديمقراطية والوحدة. [email protected]