الوفاء صفة محببة إلى الله، وهي من صفات الرسل والمؤمنين، وهي صفة تميز الإنسان عن غيره من السباع والدواب، وهي أساس القيم ومنبع الأخلاق الحميدة، ومنها يتغذى الصدق وتتباهى المروءة بزينتها وجمالها, والغدر جذر الأخلاق السيئة والقيم الفاسدة. للغدر طعم مُر وخاتمة سيئة، وللوفاء حلاوة وطلاوة وخاتمة حسنة في الدنيا والآخرة ولا يخرج الوفاء إلا من إنسان كامل لا أنانية فيه ولا حسد، من قلب محب مؤثر مضحٍ. والوفاء يأتي تنفيذاً للكلمة وللوعد بالفعل الحسن مقروناً بالتضحية، كما أن إظهار الوفاء لمن أحسن إليك ولو بشطر كلمة لا ينسي الوفي الإحسان مهما كان صغيراً بل تكبر لديه الأيادي البيضاء وتنمو حتى يرى نفسه أنه عاجز عن رد الجميل فيزيد من الإحسان والعطاء دون طلب قيمة أو ثمن . والوفاء لمن أظلك بردائه أو أسعدك بكلمته، لا يأتي بقرار من عقلك ولا بحسبة من محفظة نقودك، ولكنه يندفع من طبعك وعاطفتك وقلبك كنهر يتدفق بالخير يروي ما يصل إليه ويفيض حتى يعطي مقابل ذرة الإحسان ودياناً من الوفاء ويظن أنه مقصر ما أوفى بشيء، لا يعرف المن ولا الأذى. المن خصم الوفاء، وإذا رأيت أحدهم يكثر من المن فاعلم أن هذا من طابور الغدر، لأن المن طبع ملازم للغدر كما أن السماحة والتواضع ملازمان للوفاء. الوفاء يا صاحبي ليس علماً من علوم الرياضيات ولا علاقة له بحسبة الربح والخسارة المادية، فهو وهج ينطلق من الروح ومكارم الأخلاق، فالوفاء بحد ذاته عطاء يحتاجه صاحب الوفاء ليعبّر عن روحه ويتزين به ويتجمل ويرفع قدره مع النبيين والصالحين والإنسانية الكاملة.. حتى الكلاب تقرن ذكرها بالمدح ويرفع من شأنها بسبب الوفاء التي تتميز بها مع أصحابها .. يبقى أن تعرف أن الوفاء بكماله وتمامه يُعرف مع الوالدين، كما أن الغدر بصورته ورسمه وكماله ووحشيته يعرف مع الوالدين أيضاً، فإذا رأيت من ينافقك ويتجمل لك بالوفاء وهو لا يردّ لأبويه بعض ما أعطياه، فاعلم بأنك أمام غدار لا خير فيه. الوفاء والمروءة وجهان لعملة واحدة اسمها الإنسان الكامل والرفيع والمؤمن، وهما ياصاحبي صورتان جميلتان للتضحية والعطاء الكريم الذي لا ينتظر المقابل أو الربح والمبادلة والنفعية القاصرة.. وجمعتكم مباركة. [email protected]