في غمرة انشغال الجميع بخلط الأوراق السياسية كثيرة الأدخنة والاختناق, وتشابُك الحابل بالنابل, مَدّت العشوائية مخالبها، وشحذ العبث أنيابه كي يغتال ما تبقّى لنا من بقايا في الدوائر الحكومية، وأصبحت الانتهازية هي كل ما يميّز هذه الدوائر، والتسيب تفشّى أكثر من اللازم، وصار الارتزاق مهنة من لا مهنة له بحيث تفشّى بشكل خطير جداً كسرطان خبيث يعتاش على الضعفاء في ظل العبث الذي باتت تشهده هذه المؤسسات الحكومية دونما رقيب أو حسيب. المصيبة الكبرى هي أن المواطن الضعيف هو المستهدف من مافيا الارتزاق في بعض الدوائر الحكومية؛ ومن هؤلاء المرتزقة الذي يتصيّدون المواطنين كفريسة وقعت في براثن وحوش كاسرة لا ترحم بحيث يتلقّفونه عند البوابات بهدف استغلاله وبحجّة أنهم في خدمته بينما هم قد رهنوا حياتهم الوظيفية على استغلال الآخرين ونبش ما في جيوبهم واستنزاف رمق أرواحهم الظامئة للحظة أمان يعيشونها بعيداً عن هؤلاء الانتهازيين. فمن أعطى هؤلاء المرتزقة حق التحكُّم بمصائر الآخرين، من أعطاهم الحرية والأمان في استغلال الآخرين، من أعطاهم حق الوصاية على قوانين العمل ولوائحه فيتحكمون به كيفما شاءوا ويتلاعبون به من أجل امتصاص مال الكادحين..؟!. ومن أعطى الحق لمبتز وانتهازي أن يضحك على الناس ويسلبهم مئات الآلاف بحجة أنه سيضمن لهم درجة وظيفية أو غيره، لماذا لا يوجد من يراقبهم ويوقفهم عند حدّهم ويعاقبهم على ابتزاز الناس وبيع "السمك في الماء"..؟!. للأسف الشديد, هو القانون السايب الذي علّم الانتهازيين مزيداً من اللصوصية، هي اللوائح الصورية التي جعلت أكثر قبحاً وشراسة وطمعاً ونهباً للمقهورين، هو الضمير الميّت والمدفون تحت أقدام الطمع والجشع، هي الأنانية وحب الذات حينما تسيطر على الأشخاص تحيلهم إلى وحوش كاسرة، هم الناس أنفسهم وصمتهم وطأطأتهم لكل عابث يشوّه حاضرهم ويستولي على مستقبل ضاع في دهاليز أطماعهم ونفوسهم القبيحة، هو الخوف الذي يكبّل المواطن من قول كلمة حق ورفض لأي باطل، هي الرشوة التي اعتبرناها حقاً وواجباً للمرتزقة والمرتشين وأرباب النهب والسرقة، هو الوطن الذي يدع اللصوص والعابثين طلقاء، هو حالنا العبثي الذي جعلنا نسبح في محيط من العشوائية عجزنا أن نخرج منه إلى بر الوطن الحقيقي وننتشل منه بقايا نقاء لتخرجنا من جب غواياته. لابد أن نقول إن المرتزقة لا يتحمّلون الذنب لوحدهم؛ بل إن المواطن أيضاً يتحمّل مسؤولية تصديقه لمثل هؤلاء وخصوصاً أن عديد تجارب أثبتت وقوع غيرهم في براثن مثل هؤلاء؛ لكن الناس لا يتعظون أبداً، فلماذا نصرُّ على أن نكرّر الأخطاء بمزيد من الكوارث يا ترى، فمتى سنتعظ..؟! لا أدري.