«86» مشروع الدولة المركزية الفيدرالية تداول مصطلح “الاتحاد” بمعنى “ الفيدرالية” في المنطقة اليمنية استخدم في الأدب السياسي المحلّي وسط النُخبة السياسية في عدن منقولاً عن إدارة الاحتلال البريطاني والمشرفة على اتفاقيات “معاهدات” الحماية على الكيانات السياسية في الجنوب حينذاك، السلطنات والإمارات والمشيخات الممتدة من شرق الجنوب وحتى غربه، وطرح هذا المصطلح أثناء زيارة المندوب السامي البريطاني إلى “المكلا” سنة 1954م والمخصّصة لإقامة فيدرالية بين السلطنة القعيطية والسلطنة الكثيرية. وفي 1959م بلور الانجليز فكرة “الاتحاد” أو الفيدرالية بين بعض المحميات شرق عدن، وكوّنت الاتحاد الفيدرالي لإمارات ما سمّي آنذاك «الجنوب العربي» ونالت كلمة “الفيدرالية” نقداً واسعاً وعميقاً، وبعد انضمام مستعمرة عدن أطلق على الاتحاد “اتحاد الجنوب العربي” وكان من المزمع نقل مرتبة الاتحاد إلى مرتبة “دولة الجنوب العربي” خاصة بعد مؤتمر لندن عام 1964م وإعلان لندن بمنح عدن الاستقلال عام 1968م. وأسدل الستار عن “الفيدرالية” أو “الاتحاد” بعد خروج الانجليز في 30 نوفمبر 1967 وسقوط اتحاد الجنوب العربي ومشروع “دستور دولة الجنوب العربي” واستعيض عنه بتوحيد السلطنات والإمارات والمشيخات في نظام إداري وسياسي مركزي تحت قيادة الجبهة القومية. وفي المباحثات التي دارت بمصر بين قيادة الجبهة القومية وقيادة جبهة التحرير عشية مفاوضات جنيف لم تتطرّق إلى نوع النظام الإداري الذي سوف تعتمده الدولة الناشئة، ومنذ المباحثات السرية بين فرعي قيادة “حركة القوميين العرب” سنة 1967 قبل الاستقلال وحتى التوقيع على مسودة الدستور المشترك سنة1981م لم تظهر أية إشارة إلى “الفيدرالية” رغم الأشكال المبتكرة بين الشطرين منذ 1981م وإنما طغت كلمة “الوحدة” ودون رتوش. وكانت الحالة الانفعالية المصحوبة بالتوترات السياسية التي أنجبتها أحداث 13 يناير 1986م والتهاوي السريع للحرب الباردة وسيادة الإدارة الأمريكية على العالم قد استكملت عناصرها بصعود الحالة العاطفية للوحدة ما أدّى إلى “طي” ملفات مهمّة واستبدالها بإجراءات متسارعة نحو “الوحدة الاندماجية” غير أنه في متن سياق الإجراءات برزت “الفيدرالية” كمشروع وخيار قدّمته السلطة العسقبلية. وكلمة “فيدرالية” مصطلح جديد على ثقافة المنطقة القبلية وعلى الريف عموماً، وهي غير متداولة بشكل جدّي وعميق بين أفراد النُخب الثقافية والسياسية والعسكرية ذات الاهتمام بالعملية السياسية، وقد تهكّم أحدهم على معنى الفيدرالية بقوله: «إن الكلمة تعني “فدرة” أي كسرة خبز، لي وفدرة لك، وتعني سياسياً تقاسم مقاعد السلطة بين أطراف محدّدة، وبالتالي تقاسم الموارد المالية من البنك المركزي؛ وتعني أيضاً السكوت عن الفساد المالي والإداري؛ بل تقاسم هذا الفساد..!!». وأحدثت كلمة “الفيدرالية” محدودة التداول انقساماً في الآراء بين النُخب الفاعلة والتي تحكمها مصالح متضاربة، فبعضها اعتبرها “شرّاً” ولا تنسجم مع صحيح الجملة “القومجية” والجملة “الغيبوية” وأنها ضد “قداسة الوحدة” التي قامت في 22 مايو 1990م، وبعضها الآخر اعتبرها الخروج من نعيم الجنة والغرق في جحيم الانفصال، والبعض الثالث اعتبر “الوحدة أو الموت” شعاراً لا مفر منه يستدعي إبادة كل من يدعو إلى فك الارتباط أو الاستقلال، والبعض الرابع اعتبر الدعوة إلى الفيدرالية “كفراً” وخيانة عظمى وهلمّ جرّا من هذه الآراء التي ضمّتها بعض المقالات والتصريحات الطفيلية في المنشورات والمطبوعات والانترنت. و“الفيدرالية” كمصطلح جديد لا يُعرف له حاضن محدّد يستطيع طرحه للمناقشة الجادة والعميقة لكي يتحوّل من “سفسطة” إلى مشروع واختيار قابل للحياة.