لمدة لا تقل عن الخمسة أشهر وأنا أبحث عن منزل للإيجاز الشروط المجحفة وردود الأفعال اللا إنسانية التي وجدتها من المؤجرين أو من ينوب عنهم من وكلاء جعلتني أتساءل إن كان في هذا الوطن قانون أم لا.. أحد المؤجرين رمقني بنظرة مستفزة وقال بالحرف الواحد: (هاتي أبوك وإلا أخوك نتفاهم معه)!.. طيّب إذا كنت أنا من سيدفع الإيجار في هذا المنزل ما الجدوى من وجود الرجل في المسألة؟!.. طيّب لو أن والدي ال «كفيف» حضر معي ما الذي سيتغير في الأمر؟! وهل يجب أن أرسل لأحد إخوتي في محافظة أخرى ليشهد عقد الإيجار؟!.. لقد شعرت للحظة أنه عقد زواج وليس عقد إيجار!.. مؤجر آخر لعب معي دور المحقق: من أي قبيلة أنت؟! كم لديك أطفال؟!. أسئلة كثيرة تصحبها نظرات قاتلة أذكر أنني ختمت ال (محضر) بسؤال وجهته إليه وأنا في غاية الذهول قائلة: هل حددت الحكومة إيجار المنازل؟! فأجاب مباشرة لا، فقلت له: وكيف تريدون أنتم من الناس تحديد النسل حتى تقبلوهم كمستأجرين؟! مكتب عقار طلب بطاقتي الشخصية للحصول على رقمها من أجل استكمال اجراءات العقد، وحين قرأ (من مواليد عدن) رفض تأجير البيت بحجة أن صاحب الملك لا يؤجر على انفصاليين!.. شقة يشترط صاحبها عدم استخدام سطحها بالرغم من أنها في الدور الثالث، وأخرى لها ثلاثة منافذ أحدها يجمع بين حُجرة الحارس وصالون الشقة وحين شعرت بالخوف منها قال المؤجر: (الله المستعان أنا ضمينك)! كيف تكون ضميناً عليّ ولست بمحرمٍ لي يا عمنا المؤجر؟!.. غالباً لا أتحرك ولا أغادر تعز إلا بوجود ولدي البكر عبدالله (20 عاماً) ولكن سفره إلى العمل في صنعاء جعل حركتي شبه مشلولة، لذا أجدني مضطرة إلى المجازفة بعمله الجديد من أجل البحث عن منزل، لا تنتهي الشروط ولا تتوقف قائمة التوصيات التي يفتعلها الإخوة المؤجّرون، فمنهم من يشترط دفع شهرين كضمان صيانة “ديبازي” بالإضافة إلى إيجار شهرين تُدفع مقدماً ولا يسلم الأمر من إيجار شهر كامل لمكتب العقار أو الدلّال الذي توسط في إيجاد الشقة. والسؤال هو : أين هو القانون من هذا العبث الذي يفتعله المؤجرون بالمواطنين؟! ولماذا لم تنظّم هذه العلاقة القائمة على مبدأ المنفعة حتى اليوم؟ أعتقد إن الحديث عن مجتمع مدني قائم على سلطة القانون ليس بالأمر السهل في ظل منظومة القوانين المحلية السائدة التي تجعل من العادات والتقاليد والأعراف مرجعية أساسية لها. فالأصل أن يتم تفعيل القوانين المدنية قبل كل شيء وأن يتم تنشيط اللوائح الخاصة بهذه القوانين وإدراجها ضمن حركة التفاعل والتعامل اليومية والخاصة بعلاقات الناس فيما بينهم على أن يكون الهدف من هذا تحقيق نوع من التوازن والعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات المفترضة وإنزالها منزل التشريع تحت قاعدة دينية واضحة “لا ضرر ولا ضرار” فهل يضمن القانون الجديد الذي سينبثق عن الدستور اليمني الجديد كل هذا؟ هل سيكون قانوناً مسئولاً عن إحداث السكينة الاجتماعية؟ هل سيرتقي إلى مصاف القوانين الاجتماعية لبلدان أخرى مجاورة تضمن حق المواطن بالدرجة الأولى؟.. هل سيحتوي القانون الجديد على نصوص واضحة تحدّد علاقة المؤجر بالمستأجر وتحدّد السعر المفترض لكل عقار؟.. لقد بلغت درجة الإجحاف في عقود الإيجار أن يكون العقد لسنة واحدة فقط، حتى يكون للمالك أو المؤجر الحق في رفع الإيجار بعد السنة، طيّب إذا كان المعاش باقٍ كما هو من أين يمكن أن نأتي بمبلغ جديد يسند ظهر المؤجر؟.. إنها دعوة علنية للسرقة برعاية حكومية، وإلا لماذا لا يتم إيقاف المؤجرين عند حدود الحق والمعقول؟!