ما كان لداعشيي العراق وغيرهم من ميليشيات التطرُّف الديني أن يحقّقوا لهم وجوداً فعّالاً خارج الحاضن الاجتماعي الذي انخرط في مقارعة السلطة القائمة، لكونها أمْعنت في إيذاء المواطنين وقهرهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا أمر أدركه حلفاء النظام قبل غيرهم، بل جاهروا بالرأي الصواب، ولم يجدوا أُذناً صاغية. من الجدير بالتذكير هنا أن المتابعين للشأن العراقي يسترجعون اليوم ما كان من أمر «الصحوات» قبل حين، عندما أسهم هذا المكوّن الاجتماعي السُّني في مقارعة وإضعاف جماعات «القاعدة» ولولا هذا المكوّن السنّي الوسطي الحكيم لما تمكّن النظام من إضعاف «القاعدة» وتوابعها. وفي المقابل نجد الصورة مقلوبة اليوم؛ لأن النظام لم يتمكّن من التصالح مع المكوّن العشائري السنّي، فيما زادت خيباته الواضحة في التنمية والتطوير وتحسين أوضاع الناس، وبهذا أنجز كامل المقدّمات التي تشير إلى متاهة محتملة، لا خروج منها إلا بالعودة إلى المفردات الأولى في مفهوم المصالحة الوطنية، والشراكة المجتمعية، والتخلّي عن العصبيات أياً كان شكلها ولونها. الرئيس الأمريكي باراك أوباما، المعني بصورة استثنائية بما آلت إليه أوضاع العراق، يتخلَّى بصراحة تامة عن التدخُّل في الشأن العراقي، وما يَعِد به من إجراءات لا تتجاوز التشاور والانتظار. ومن غرائب الدهر أيضاً أن يتخلَّى رئيس الوزراء العراقي عن جيشه، وهو القائد الأعلى للقوات المسلّحة، فمجرد تصريحه بتشكيل ميليشيات من المتطوّعين، اعتراف ضمني بالتخلّي عن الجيش، كما أن عدم تفسير الانهيار الدراماتيكي المفاجئ للحاميات العسكرية المدجّجة بالسلاح اعتراف ضمني آخر لا يقل فداحة عن سقوط ثاني أكبر مدينة عراقية في رابعة من نهار، وبالتنازل الحُر، من قبل الحاميات المدجّجة بأحدث أنواع الأسلحة..!!. [email protected]