الطريق الوحيد لتفعيل النشاط الحزبي والدور السياسي للأحزاب اليمنية هو طريق البحث العلمي الذي يدرس الواقع ويتعرّف على وضعيته التاريخية من جهة، ثم يتعرّف على إمكانات العمل المنظم ومتاحاته للتعامل مع ما يتطلّبه هذا الواقع من مهام محدّدة مرحلياً واستراتيجياً في برنامج التغيير والتنوير من جهة أخرى؛ وبعبارة أخرى تتوقف فاعلية العمل الحزبي على المعرفة العلمية والعمل بها. إن أول خصوصية لواقع العمل الحزبي في الوطن العربي هي أولوية بناء نظام التعددية الحزبية ومؤسساته في سلطة الحكم والمجتمع، وعليه تكون المهمة الأولى للعمل الحزبي هي بناء النظام الديمقراطي لا ممارسة سلطة الحكم، وهذا يعني تأجيل التنافسية الحزبية على أصوات الناخبين واستبدالها بتوافقية حزبية تقوم بها كتلة تاريخية تنجز مهمّة الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي. على هذه الأولوية تترتب أولويات بناء الحزب الديمقراطي والتبشير بالديمقراطية والدعوة إليها وتنمية الوعي الجمعي بمفاهيم وقيم المنظومة الديمقراطية خصوصاً متطلبات التزامن بين قيام السلطة الديمقراطية وقيام مجتمعها المدني وما يقوم بينهما في مؤسسات ضامنة لمبدأ المواطنة ومجسّدة للسيادة الشعبية ومحقّقة للاندماج المجتمعي وقابلة بقوة الرأي العام المؤثّرة على القرار السياسي سلباً وإيجابياً وفق مصلحة أكثرية الناس. أول شروط فاعلية العمل الحزبي تكمن في بنيته ووظيفته الديمقراطية، أي هيكلة الحزب على أسس ديمقراطية، وتنظيم هيئاته وعلاقاته بمرجعية الاعتراف بالاختلاف، وإدارة هذا الاختلاف بالحوار وحسم الخيارات والقرارات بآليات ديمقراطية، وهذا يجنّب العمل الحزبي مخاطر الجمود الناجمة عن التفرد والتسلُّط وأخطار التمزق والانشقاق بفعل غياب الفرصة المطلوبة للتنوّع والتجدد والتوسع في خارطة المكانة والدور. نكتفي هنا بإشارات إلى أولويات التحوّل إلى الفاعلية المطلوبة والممكنة للعمل الحزبي؛ وهي الإشارات التي تفتح أبواب البحث العلمي أمام الأحزاب التي تبحث عن مستقبلها في متاحات الحاضر وإرادة أعضائها وبالنقاشات الديمقراطية المفتوحة على شروط التنوّع والإبداع، وإمكانات التنافس والتكامل بين الطاقات المختلفة والقدرات المتفاوتة والأوجه المتعدّدة للإدارة والقيادة. بقي أن نشير إلى أن البنية المفكّكة للمجتمع العربي جهوياً وفئوياً بين القبائل والعشائر، وبين المذاهب والطوائف، وبين الجغرافيا والتاريخ، تتطلّب من العمل الحزبي التركيز على أولوية الاندماج الوطني على أساس المواطنة ومبادئ الشراكة والمشاركة في سياق توافقية التأسيس اللازمة للتحوّل نحو تنافسية الممارسة. [email protected]