تحتاج الأحزاب اليمنية إذا هي قامت بهيكلة فكرها السياسي إلى هيكلة الأداة الحاملة لهذا الفكر والمتحركة به في الواقع ومحيطيه: السياسي والاجتماعي، وهذا يعني توجه الأحزاب نحو إعادة بنائها التنظيمي بناءً يمكنها من مواكبة التطورات وأداء المهام، الداخلية والسياسية, بكفاءة واقتدار. تتطلب الديمقراطية، كنظام وممارسة، نمطاً في التنظيم الحزبي، يلائم التنافس المتعدد للأحزاب على أصوات جماهير الناخبين في صناديق الاقتراع عند كل دورة انتخابية هذا يعني وبالمقام الأول تحول الأحزاب اليمنية من نمط التنظيم الجماهيري إلى نمط الوحدات النوعية، ذات الكفاءة العالية في التأثير على الرأي العام وإقناع الناخبين بالتصويت لمرشحي الحزب، وهي عملية مفتوحة للحزب ومنافسيه، بما يفرض عليه مواجهة تأثير هؤلاء المنافسين بإدارة علمية وكفاءة عملية ملتزمة بقيم الديمقراطية وآلياتها المؤسسية. وفي سبيل الوصول باليمن ونظامها السياسي إلى واقع كهذا يتوجب على أحزابنا السياسية أولاً: التوافق على بناء النظام الديمقراطي في سلطة الحكم ومؤسساته الحاكمة، محلياً ومركزياً، فالسلطة بمرجعية الديمقراطية لم تعد ملك الحزب الحاكم، وإنما أداة لإدارتها من قبل الأحزاب المتنافسة سلمياً على ولايتها عبر الانتخابات الدورية وبناء هذه السلطة الديمقراطية مقدمة شرطية لازمة للانتقال الديمقراطي، حتى لا تكون السلطة متاحة للاستئثار والاحتكار والتسلط العقائدي والاستبداد الفردي. جزء من هذه العملية الخاصة بالتنظيم الحزبي متصل بإعادة بناء الفكر السياسي للأحزاب اليمنية من حيث التزام الحزب في بنيته التنظيمية بالديمقراطية وآلياتها، وهذا يعني أن هيكلة التنظيم الحزبي مطلوبة سياسياً بالحاجة إلى ديمقراطية هذه الأحزاب وتحويلها إلى مؤسسات مجسدة لقيمها وآليات عملها داخل كل حزب وفي علاقته بالأحزاب الأخرى، غير أن هذه الصلة تتجاوز الفكر إلى العلم، وما نتج عن تطوراته من تقنيات مؤثرة في طبيعة الصلة التنظيمية والتواصل الخاص والعام. إن تقنية الحاسوب، وما يرتبط به من شبكات معلوماتية، وتواصل اجتماعي، تتطلب بناء الهيكل التنظيمي على ضوء ما وفرته هذه التقنيات من سرعة وآنية في التواصل والتوصيل، وفي تنظيم الوقت والجهد في استقبال الكم الهائل من المعلومات المتدفقة وحسن توظيفها في التخطيط والتوجيه وفي التنفيذ والتقييم. كما في التواصل البيني مع مكونات الخارطتين السياسية والثقافية والتبادل المعرفي والتعاون العملي مع الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في الداخل والخارج. لقد كشفت الانتفاضات الشعبية في بعض القطار العربية ومنها اليمن أهمية التقنيات الحديثة في الإعلام والاتصال من جهة، وعجز الأحزاب السياسية خاصة اليمنية، في التعاطي مع هذه التقنيات من جهة أخرى, في وقت تقدم الشباب لتوظيفها بفعالية لم ينقصها سوى الانسياب في أطر منظمة سياسياً أو ثقافياً على مستوى الوطن، وهذا يعني أن الوحدات البنائية للهيكل التنظيمي في الأحزاب اليمنية ليست فقط مُعَطَّلة عن أداء المهام الحزبية، ولكنها مُعَطًّلة لكفاءات الأفراد من أعضاء وأنصار عن العمل والإنجاز بفاعليته وإبداع. يحتاج هذا المجال التقني وحده لدراسات وأبحاث علمية مستفيضة لكونه ضرورة لا غنى عنها لأي حزب يسعى لحجز مكانة في المستقبل وأداء دوره بفعالية واقتدار، فهذه التقنيات تعيد تنظيم المؤسسات بصورة جذرية وكاملة؛ لأنها تتجاوز المكان والزمان، بخصائصها المتميزة وغيرها مما لا يسعنا هنا ذكره بتفصيل أو إجمال. هيكلة التنظيم الحزبي أولوية تفرضها تطورات العلم ومستجدات الفكر وضرورات الواقع والعصر، وهذه الهيكلة تعد المتأخرين عنها ناهيك عن الغافلين بالاندثار في مستقبل لا مكان فيه لغير الواقفين في طريق المعلوماتية السريع بفكر متجدد وتنظيم متحرك، وللموضوع في قضية أولوية هيكلة الأحزاب اليمنية خاتمة لبيان المقال. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك