في سياق التنفيذ المنشود لمخرجات الحوار الوطني الشامل تقتضي المنظومة المتكاملة عن بناء الدولة في هذه المخرجات القيام بعملية تهدف إلى نشر المضامين المعرفية شعبياً, وتنمية الوعي الجمعي بها لإدراك المصالح المترتبة عليها لكل من المواطن والمجتمع في كل جوانب الحياة وشؤونها. إن الأميّة السياسية لا تقف بين صفوف الأميين فقط ولكنها تشمل غالبية كبيرة من المتعلمين الذين انصرفوا عن الشأن السياسي والاهتمام بقضاياه وواقعه لأسباب أهمها القمع والتحيُّزات السلطوية ضد ذوي الرأي الحر والميول النقدية والاتجاه المعارض لفساد السلطة, بالإضافة إلى الأحادية المنغلقة على نفسها داخل الخارطة الحزبية وبينها. لقد كان الحوار الوطني فرصة سانحة ليس فقط لمناقشة الأزمة الوطنية والحلول المتاحة لملفاتها المختلفة, ولكن أيضاً للتعرف على الاختلاف الواسع في المجال السياسي وإدارة هذا الاختلاف المقبول بصورة تذهب به إلى القبول المشترك والتوافق الممكن والمتاح, لابد أن يتأصل الحوار كمنهج في العمل السياسي وآلية للممارسة داخل الكيانات الحزبية وبينها على كافة المستويات وفي مختلف القضايا والأحداث. إن قضايا مثل الانتقال إلى دولة اتحادية وحكم محلي ضمن أقاليم جغرافية تتطلب على المستوى الشعبي توعية بالمزايا والإيجابيات وبالمخاطر والسلبيات, كما تتطلب على المستوى الحزبي تأهيلاً علمياً وتدريباً عملياً, باعتبار أن الأحزاب تتحمل مسؤولية ولاية السلطة وإدارتها في الشكل الجديد للدولة اليمنية, ولهذا فالأحزاب مطالبة قبل غيرها بتنظيم برنامج توعوي متكامل حول مفاهيم ومضامين مخرجات الحوار. ومن نافلة القول اعتبار القيادة السياسية والحكومة مسؤولة أولى عن التأسيس المعرفي لليمن الجديد, لأنها في الواقع مكلفة بتنفيذ مخرجات الحوار, ما يعني التعريف بهذه المخرجات، والعمل على تأهيل الكوادر الكفؤة والقادرة ليس فقط على تنفيذ المهام؛ وإنما إجادة هذا التنفيذ بكفاءة وإبداع. وإجمالاً تعلمنا التجربة التاريخية أن التطبيق الفوقي للنظريات السياسية والأفكار العملية ينتج تشوّهاً في البناء وخللاً في الأداء, وأنه لا مناص من أن يتوفر لأي تطبيق عملي للأفكار النظرية أساس معرفي بين الجماهير باعتبارها أرضية البناء ومصدر الأداء, وحتى يكون العمل كلّه قائماً على المعرفة ومستنداً إلى الوعي والإدراك. [email protected]