أكد مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن من خلال معطياته كعملية أن الحوار كمبدأ أو آلية يمثّل إيجابية مطلقة, فالتسويات التي أنجزها لحل ما نشب بين مكوّناته من خلاف واختلاف دلّت على أن الحوار هو الطريق الوحيد للنجاح والمخرج المضمون والآمن من الفشل وعواقبه المدمرة. لقد ابتدأ الحوار نجاحه في اليمن منذ انطلاقته حين جمع على طاولته كل الرؤى المتناقضة والمتصارعة تحت سقف مفتوح, وفتح بين مكوّناته أبواباً للتعارف كانت مغلقة بالمواقف السياسية المسبقة والمنغلقة على ذاتها بعصبيات إنكار الاختلاف وإلغاء المختلف, وإقصاء الواقع المغاير للرأي الواحد والحكم الأحادي. واليوم, والحوار قد تجاوز مدّته المحدّدة لانتهاء مهمته واستكمال مهامه, نقول إن الحوار ليس لحظة زمنية محدّدة, بل هو استراتيجية ثابتة ودائمة ومتجددة للتعارف أولاً, ولإدارة الاختلاف ثانياً, وللوقوف على الجامع المشترك لتنوعنا وتعددية أفكارنا ومصالحنا الخاصة والعامة, ولهذا فإن انتهاء الحوار الراهن, يعني من حيث المبدأ انتقاله من طور إلى آخر من التحاور البنّاء والمستمر, والحوار المتجدّد بتجدد القضايا والوقائع وتجدد الأجيال. لقد علّمتنا تجربة الحوار الوطني أولوية أن نبدأ إدارة الاختلاف من معرفته والتعرُّف على جوانبه المتعدّدة؛ وذلك يمضي بنا وبقضية الخلاف إلى المكاشفة بأسبابه والكشف عن الحلول المرضية لكل أطرافه, ثم التوافق على قدر من التنازلات تحقّق المصلحة للجميع وتقيم بينهم جسوراً من التفاهم والتعايش بدلاً من مهاوي التخندق وخنادق القطيعة والصدام. لا شك أن الحوار الراهن تجربة فريدة؛ لكنه بحكم نشأته القريبة وفترته القصيرة لم يتسع لبعض الشقاق بين اخوة جمعتهم طاولات الحوار, لكنها لم تحل بينهم والاقتتال المأساوي, كما هو الحال بين «أنصار الله» والسلفيين, أو بين «أنصار الله» وحزب الإصلاح, وكما هو الحال أيضاً مع بعض مكوّنات الحراك الجنوبي التي تمسّكت بانغلاقها ولم تنفتح على حوار إن لم يصل بها إلى مطلب الانفصال فقد يصل بها إلى عدل الاكتمال مع إخوة الوجود والمصير. الحوار بإيجابيته المطلقة هو الوسيلة المثلى لرؤية الواقع وصناعة القرار ليس بين الأطراف المختلفة ولكن داخل الكتلة الواحدة كالأحزاب, فالحوار وسيلة لتنمية المعرفة واكتمالها, وطريقة لرؤية المسار وتقويم المسير في كل زمان ومكان. [email protected]