تقوم الحياة الإنسانية على السؤال, إذ هو مفتاح المعرفة الضرورية للإنسان ليحيا على أساس من إدراك وجوده ووعي مقامه ودوره في هذا الوجود, وهنا يكون التساؤل الجوهري ملخصاً في سؤال الكينونة"من أنا، نحن..؟" ذلك أن معرفة الكينونة تهدي إلى معرفة الكون والكيان المتحرّك بين ما كان وسيكون. من أنا / من نحن..؟ تحيلك إلى ادراك الوجود الفردي للذات الانسانية , في الجواب المحدد: أنا انسان , وإلى ادراك الكيان الاجتماعي لهذا الوجود الإنساني الفرد لنكون في هذا الوجود انساناً متميزاً بطبيعة اجتماعية, وهوية قومية, وهنا يتحول السؤال في جوهره المعرفي إلى حركة تاريخية يصنعها الإنسان في أطر من التشابه والاختلاف تجمع الإنسانية على العلم والبيان, وتفرقها بعد ذلك باختلاف اللون واللسان. في سؤال الكينونة, يكون الإنسان بطبيعته الاجتماعية صانع التاريخ ومحرك تحولاته في مسار اتجاهه من الأمس إلى الغد, وبعبارة أخرى, يكون الإنسان صانع قدره ومحدد مصيره, وهو المسؤول عن الحال والمآل فيما يتصل بحركته ومصائرها في القريب والبعيد من حياته الفردية والاجتماعية, والمتغيرة وفقاً لمقتضى الإرادة الإنسانية في الزمان والمكان. يثور بمنطق الإرادة الإنسانية سؤال المقام والدور ملخّصاً بقولنا: ماذا أريد، نريد..؟ وهو السؤال الذي ينفتح على معرفة الكون لتحديد ما نعلم عنه, وعلم ما نجهل منه وفيه, فتنمو المعارف والعلوم, وتتطوّر من خلال استثمارها في صالح الأمم والشعوب المهارات العلمية والخبرات التطبيقية. ربما كان لنا أن نقارب التعميم السابق بتخصيص يتعين في الواقع, فنقول إن الواقع العربي متصرّف بوجه عام عن هذه الأسئلة, ومحروم نتيجة لذلك من إدراك وجوده الإنساني في هوية قومية, ومن وعي المقام والدور المترتب على هذا الوجود وحركته في العالم والعصر. وبعبارة أخرى, لا يعيش الاجتماع العربي المعاصر متحقّقاً بالمعرفة من إنسانيته العربية في كينونتها التاريخية أو واقعها المعاصر, لذلك تنتفي من الحياة العربية حركة التغيير وإرادتها المدركة لوجودها ودورها. لا ننكر أن سؤال: من نحن، وماذا نريد..؟ قد أثير في عقود مختلفة من القرن المنصرم ومن مواقع مختلفة في أقطار عربية عدة, لكن حركة السؤال وقفت قبل إثارة المعرفة المتكاملة, وتفرّقت سبلها بعد ذلك بين جمود منغلق على سلفية متطرّفة, وتسلُّط منحصر في الفرد والعصبيات. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك