تتخلف الأمم حضارياً عندما ينتكس وعيها بإنسانيتها ويتشظى إدراكها لهذه الإنسانية في كيانات متنافرة بالتمييز وامتيازاته بين الفئات المتنوعة لمكونات الأمة، فالتمييز العرقي والسلالي يتخلف بالأمم حين تسودها قيم الاستكبار والاستضعاف، ومثله التمييز الديني، ثم التمييز الجنسي بين الذكور والإناث. بعض هذه الأنماط من التمييز، يسود الأمة العربية ويحكم على مجتمعاتها المعاصرة بالتخلف الحضاري، ليس عن عالمها وعصرها فحسب، بل عن مقامها الإنساني ودورها في هذا المقام على الأرض وبين الناس، ومن سمات هذا التخلف تجذر التمييز الجنسي في وعي المجتمع العربي واسناده إلى قيم الإسلام والثقافة العربية، ليفقد الفرد والمجتمع إنسانيتهما المتشظية بين ذكور وإناث، يستعلي فيه الذكر بنوعه، وتمتهن فيه الأنثى بنوعها، وتسقط الإنسانية, مقاماً ودوراً, عن الفرد ومجتمعه. المسألة النسوية إذاً سمة هذا التخلف الحضاري في مجتمعاتنا المعاصرة، وآية انتكاستها عن إنسانيتها الجامعة، للذكر والأنثى على الزوجية المتكاملة جنساً ونوعاً، غير أن النظر إلى هذه المسألة من ذات المنظور التمييزي باعتبارها قضية المرأة والانتصار لحقها في المساواة والشراكة، يساهم في تغييب الوجه الإنساني للمسألة النسوية، ويكرس التمييز الجنسي حين تصبح قضية المرأة العربية، إلغاءً للتميز الذكوري وامتيازاته الخاصة والعامة، مع أن، الذكر والأنثى، في ظل هذا الوضع، ضحية واحدة للتخلف الحضاري الشامل والمتناسل، مكاناً وزماناً. إن رؤية الفرد، باعتباره إنساناً، هي النظرة المكافئة، حقاً وقيمة، لقيمته المكرمة ومقامه كنوع أرقى بقدرته على الخلق والإبداع وعلى استعمار الأرض وتسخير ما فيها وعليها لإرادته وصالح معاشه، وحين تغيب هذه الرؤية ليحل محلها التمييز بين زوجي الإنسان جنسياً، والاستعلاء بالذكورة امتهاناً للأنثى، يضيع الإنسان، ويسقط مقامه، ويفقد دوره ليتردى في الوجود إلى حيوانية متخلفة، وبهيمية لا تعلم ولا تعمل، هكذا لا تنفرد المرأة بمفاسد النظرة الدونية لوجودها، وسطوة الامتهان الذكوري لكرامتها الآدمية، وإنسانيتها المغيبة، لذا وجب الارتكاز على الوجه الإنساني في النظر , والتعامل مع ,المسألة النسوية. إن العمل في سبيل استعادة الوجه الإنساني في واقع التخلف الحضاري السائد، لا يتوقف حصراً عند المرأة العربية بل يشمل بهذه الحصرية، إنسانية الإسلام، التي طمستها البداوة النفطية بمزاعمها عن انحياز الإسلام للذكر وإعلائه مقاماً بأفضلية للذكورة انحطت بالأنثى إلى ما دون الحيوان وجعلتها مساوية، قدراً ومقاماً، للمتاع والأشياء، وهي النظرة الدونية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فالإنسان، ذكراً وأنثى، أهلٌ لمقامه على الأرض ودوره فيها، ومسئولٌ عن ذلك بميزان يفاضلُ بين الناس على أساس الاختيار والعمل، وهذه هي الإنسانية الجامعة لزوجيها بالحق دون تمييز وامتيازات. إن الاستعلاء الذكوري المسنود بالإسلام ضرب من الأماني التي لا محل لها في كتاب الله، تدبر قوله تعالى : “ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا* ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فاؤلئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا” النساء: الآيتان 123، 124. هذا القانون الإنساني العادل، خلق الله وأمره، به خلقوا، وعليه يحاسبون،، قال تعالى: “ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب” غافر : الآية 40. غير أن الاستكبار الإبليسي عزز التمييز الجنسي وامتيازاته بالإسلام، حين أسند إليه الثقافة السائدة في المجتمع العربي بمزاعم التمييز والامتياز في مقولات مؤداها على لسان الذكور “ أنا خيرٌ منها خلقتني ذكراً وخلقتها أنثى”. في اليوم العالمي للمرأة، لا بد لحركة تحرير المرأة العربية أن تستعيد الوجه الإنساني المغيب في المسألة النسوية، وترتكز عليه في نضال يسعى إلى تجاوز التخلف الحضاري والارتقاء به إلى المقام الإنساني الذي اختاره الله لخليفته على الأرض، قال تعالى : “ أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقةً فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى “ القيامة ، الآيات : 36 39 . وعلى هذا الأساس لن نستعيد إنسانية المرأة العربية وحدها، بل نستعيد هذه الإنسانية للأمة كلها، بشراً وثقافةً وديناً. هذه الاستعادة تبدأ في اليمن وجوارها من وجه الأنثى المغيب سمةً وإنسانيةً بظلمات اللثام المفروضة بقهر القوة المتسلط على مجتمعنا بالتخلف الحضاري والتطرف الديني. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك