كنّا فيما مضى نحلم في يوم يتحقّق التضامن العربي ونرى سوقاً عربية مشتركة وعملة عربية موحّدة، وإذا أفرطنا حلمنا بوحدة عربية متكاملة سياسية واقتصادية وعسكرية تفتح الحدود العربية أمام المواطن العربي ليعيش أينما يشاء في وطنه الكبير من المحيط إلى الخليج. وكنا نقول لأنفسنا: ليست أوروبا بقومياتها المختلفة ولغاتها المتعدّدة أحسن منا، فنحن أمّة موحّدة التاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة والعادات والتقاليد، وهذا يجعل الوحدة العربية أيسر وأكثر سهولة من الوحدة الأوروبية. أما اليوم وفي ظل التشرذم والشتات والفُرقة التي تشهدها أمتنا العربية فقد تلاشى من مخيلتنا حلم الوحدة العربية وأسقطنا من أذهاننا كل معاني التكامل والتضامن والتلاحم العربي ولم يعد لهذه الكلمات أي وجود في ثقافتنا المليئة بالحقد والكراهية والقتل والدمار والرفض للآخر وعدم التوافق معه حتى في القضايا الدينية كما هو الحال في صوم رمضان، فكل بلد عربي يصوم قبل الآخر أو بعده، فهل صوم العرب في يوم واحد يمسُّ سيادة واستقلال بلدانهم، أم أن لكل دولة وكل مذهب هلاله الخاص..؟!. يتفق العرب على صوم رمضان، ويختلفون في توقيته كل عام دون أن يثير هذا الأمر اهتمام مشائخ الدين؛ وكأنه أمر عادي وقضية خلافية لابد منها، ويبقى السؤال الدائم والمتكرّر: هل يفعلها العرب هذا العام ويثبتون أنهم أمّة عربية واحدة ولو بتوحيد يوم صومهم..؟!. كلنا يعرف أن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، وصومه واجب على كل مسلم ومسلمة بمختلف مذاهبهم وطوائفهم؛ وبالتالي لا علاقة له بالسياسة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يمكن إدراجه في إطار التباينات والخلافات بين قادة الأنظمة وعلماء المذاهب من سنّة وشيعة وسلف ووهابيين... إلخ، ومع ذلك يختلف العرب في الإجماع حول صوم رمضان رغم التقارب الجغرافي والزمني الذي يعني أن ظهور الهلال من عدمه يكون موحّداً في مختلف الدول العربية. ومع ذلك - وهو مضحك حقاً - أن اختلاف العرب حول رؤية هلال رمضان لم يقتصر على الدول فقط؛ بل وصل إلى مستوى الدولة الواحدة، فرمضان في شمال العراق يتقدّم بيوم واحد عن رمضان في جنوبالعراق، ورمضان في شرق ليبيا لا يتوافق مع رمضان في غرب ليبيا، وهلال رمضان الذي ظهر في السعودية واليمن وتونس احتجب في عمان وقطر والمغرب وهكذا..!!. ولا ندري ما الذي يمنع العرب من إنشاء مجمع إسلامي أو هيئة للأهلّة تكون مسؤوليتها تحديد يوم رمضان وغيرها من المناسبات الدينية، وللتذكير فقط أن اليوم الجمعة هو 29 شعبان 1435ه في جميع الدول العربية؛ إلا أن هذا التوافق لن يستمر، وستجد دولاً أعلنت أن غداً السبت هو أول أيام رمضان، وأخرى تعتبره المتمّم لشهر شعبان كما جرت العادة العربية، ويبقى السؤال: هل سنصل إلى يوم يتوحّد فيه العرب ولو بيوم صوم رمضان..؟! وكل عام واليمن الحبيب والأمة العربية والإسلامية بألف خير.