• هلَّ علينا شهر رمضان المبارك هذا العام ونحن لانزال نعيش نفس الأزمات والمشاكل التي كانت في رمضان الماضي والذي قبله، ففي كل رمضان ونحن نتجرّع نفس الأزمات والإشكالات ولا نلمس أي تغيير نحو الأحسن في هذا الجانب، وكأنه كُتب علينا أن نظل ندور في نفس الحلقة المغلقة من الأزمات والمشاكل التي تظل حاضرة وبقوّة طوال العام دون أن تشهد أية انتكاسة أو خفوت وكأنها عصيّة على الحل. • فقد اعتدنا أن يأتينا شهر رمضان مصحوباً ببعض الأزمات مثل غلاء الأسعار واحتكار السلع الغذائية والاستهلاكية، وأيضاً أزمة المشتقّات النفطية التي دخلت شهرها الثاني دون أن تجد طريقها إلى الحل، وأزمة انعدام الغاز المنزلي التي وإن لم تظهر بعد إلا أنها لن تتخلّف عن موعدها السنوي، والازدحام الخانق الذي تغرق فيه شوارع المدن ويبلغ ذروته خلال ليالي الشهر الفضيل، بالإضافة إلى أزمتي المياه والانطفاءات الكهربائية التي يبدو أنهما ستستمران في تنغيص حياتنا إلى ما لانهاية، وهي الأزمات على كثرة ما مرّت علينا خلال شهر الصيام في كل عام أصبحت بمثابة علامة مسجّلة لهذا الشهر ودونها ربما لن نشعر برمضان إذا ما جاء خالياً من بعض هذه الأزمات المعتادة أو كلّها. • المسؤولون في الجهات المعنية «ومعهم جمعية حماية المستهلك» يعرفون جيداً حجم المعانات التي يتجرّعها الناس جرّاء هذه الأزمات، لكن وكما جرت العادة يكتفون بالتباري في التصريحات الصحفية التي تحمل تأكيداتهم على توفّر كافة الخدمات والاحتياجات المهمّة والضرورية، وأن كل شيء سيكون على خير ما يرام خلال شهر رمضان، وتعلن كل جهة عن تشكيل غرفة عمليات ومتابعة لضمان استقرار الأوضاع التموينية والخدماتية ورصد كافة التجاوزات والمخالفات مع مناشدة الجميع للإبلاغ عن أية مخالفات أو تجاوزات، لكن كل ما يُقال لا يتجاوز إطار الأقوال. • كل تلك التصريحات التي تسبق دخول الشهر الكريم ومن كثرة ما سمعناها في كل عام أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب، كما أننا صرنا على ثقة تامة أنها بلا فائدة وعديمة الجدوى، فالكل يعلن عن اعتماد خطط وبرامج استثنائية لمواجهة متطلّبات هذا الشهر الكريم، لكن على أرض الواقع لا نجد أثراً لكل هذه الخطط والبرامج، ولا نلمس أي حلول حقيقية لما نعيشه من أزمات أو حتى التخفيف من حدّتها، حيث للأسف نجد أن مشاكلنا دائماً وأبداً قابلة للزيادة والتكاثر وليس النقصان والانحسار. • البعض يجدون في رمضان فرصة للربح السريع والإثراء على حساب احتياجات الناس، فبعض التجار يعملون على استغلال هذا الشهر الفضيل أبشع استغلال من أجل مصالحهم، المهم ألا يمر هذا الشهر دون تحقيق فوائد، فتراهم في كل عام وقبل حلول رمضان يقومون بممارسة هواياتهم الاحتكارية في إخفاء السلع والمواد الضرورية تمهيداً لرفع أسعارها، وآخرون يمارسون أساليب الخداع والاستغلال في حق المستهلك سواء تحت مُسمّى التخفيضات أم المسابقات والجوائز “الوهمية” مستغلّين الهلع الشرائي لدى المستهلكين خلال هذا الشهر الفضيل. • كل هذا يحدث تحت نظر الجهات المختصة أو تلك المفترض بها حماية المستهلك، فالجميع يتركون الحبل على الغارب، بل إن تجاهلهم لكل ما يحدث يطلق العنان للتجار للإمعان أكثر في المتاجرة بأقوات المواطنين واستغلال حاجاتهم، ودون أن نجد من هذه الجهات أي تجاوب أو على الأقل اتخاذ أي إجراءات ولو في حدّها الأدنى لحماية هذا المستهلك المغلوب على أمره. • شهر رمضان الفضيل هو موسم تُفتح فيه أبواب الجنّة وتُغلق فيه أبواب النار وتُصفَّد فيه الشياطين، لكن ما نؤمّله هو أن تُصفَّد في هذا الشهر أيضاً شياطين الإنس الذين حوّلوا حياتنا إلى سلسلة متواصلة من الأزمات كما هي عادتهم دائماً، حتى نتمكّن من أن نعيش أيام وليالي هذا الشهر الكريم بروحانية خالصة بعيداً عن المنغّصات ومن دون أن يعكّروا علينا صفو حياتنا في صناعة الأزمات التي يتحمّل تبعاتها وآثارها الناس البسطاء. [email protected]