تمر الأشهر سريعاً ويأتي رمضان بروحانيته المميزة التي خصه الخالق بها دون سائر الأشهر، ورغم الأوضاع الصعبة التي نعيشها في اليمن منذ أربع سنوات مضت إلا أن لهذا الشهر الفضيل نكهة خاصة تجعلنا نسمو فوق الجراح والمآسي، ونحلّق في رحاب الإيمان فنغسل ما علق في نفوسنا من درن الحياة وأوساخ الأيام.. علنا نتناسى أوجاع الأمس وهموم اليوم مبتهلين إلى الله بقلوب صادقة أن يجمع شمل اليمنيين ويوحد كلمتهم ويؤلف بين قلوبهم ويهديهم إلى طريق الرشاد.. ما أحوجنا اليوم إلى التوقف قليلاً في رحاب هذا الشهر الفضيل لنتزود من معانيه وقيمه ونستلهم منه العبر والدروس التي نستفيد منها في معالجة مجمل القضايا التي أثرت في مسار حياتنا وعكرت صفو تعايشنا، ومزقت الألفة التي تجمع بين قلوبنا، وقادت إلى بروز الأحقاد والكراهية والغلو والتطرف ورفض الآخر الذي كان أخاً وسنداً حتى وقت قريب.. يجمعنا رمضان اليوم بنقائه وطهره، ويدعونا إلى التآلف والتلاحم وتعزيز قيم الإخاء والمحبة والتصالح والتسامح والوحدة بعيداً عن كل صور وأشكال الفرقة والشتات والتشرذم. كلنا نقدس هذا الشهر ونجلّه، ونسعى جاهدين لاستثمار أيامه ولياليه بالتوبة والطاعة والمغفرة والتقرب إلى الله بأعمال الخير، علّنا نسقط عن كواهلنا ما اقترفناه من خطايا وآثام..، ولكن يبقى الواقع وما يعتمل به من أحداث هو الغصة التي تحتم علينا إعادة النظر في علاقاتنا كمسلمين أولاً وأبناء وطن واحد ثانياً.. إن ما يعتمل في الواقع وما نعيشه من مماحكات ومكايدات أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، ويعتبرها البعض ضرورة لا بد منها لتحقيق أهدافه ومصالحه ولا تكتمل حياته إلا ببقائها واستمرارها.. إن ما يؤسف ويحزن في الوقت نفسه أن يتعامل البعض مع شهر رمضان وكأنه عادة أو تقليد سنوي وليس فرض عبادة شُرع لغايات أسمى وأنبل من الامتناع عن الطعام والشراب. وتتجلى الغايات النبيلة لشهر رمضان المبارك بالقيم والمبادئ الإنسانية التي تعزز الألفة بين أبناء المجتمع وترسخ ثقافة التراحم والتعاطف والتسامح والتصالح ونبذ كل أشكال الخلافات، فلا رفث ولا فسوق ولا عصيان في رمضان، ولرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.. آداب ربانية لا يكتمل الصيام إلا بها.. فما بالنا نذهب إلى استباحة دماء بعضنا البعض وإثارة الفتن وإحياء النعرات المذهبية والطائفية والمناطقية التي لا تنسجم بأي حال مع الأحوال مع فضائل وقيم شهر رمضان الكريم الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. لا ندري كيف يفكر من نراهم اليوم يتقاتلون في نهار رمضان ولياليه ويسفكون الدماء ويكفّرون بعضهم البعض، وكأن ما يقومون به من أعمال هي من مجمل العبادات ومن فضائل وآداب هذا الشهر الكريم!!... فهل يدرك هؤلاء أن أفعالهم وممارساتهم تلك لا تشوّه جوهر رمضان وحسب، وإنما الإسلام وتعاليمه وقيمه السمحة.. إن شهر رمضان مدرسة روحانية وفرصة للتوبة والتقرب إلى الله وينبغي أن نجعل من هذا الشهر محطة إيمانية لمراجعة الأخطاء بعيداً عن الأحقاد والكراهية وندرك بأن الاسلام وقبل أن يكون دين عبادة هو دين عمل وأخلاق وقيم ومحبة وسلام.. وصدق رسول الله «صلى الله عليه وسلم» القائل: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فأين نحن من هذه التعاليم النبوية؟!.. [email protected]