في كل عام يظللنا ببركاته ونفحاته الطيبة شهر الرحمة والغفران .. (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .. هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )) .. الذي يسعى خلاله المسلمون للتقرب إلى المولى عز وجل .. بمزيد من العبادة وتلاوة القرآن العظيم كتاب الله المبجل .. وفي هذا الشهر الكريم يتجلى الخشوع إلى الله في أسمى معانيه العظام ، فهو أحد آداب الإسلام التي تحقق التواضع وتجنب الإنسان الغرور والصلف وتبعده عن النفاق .. وتجعله يقبل على الخالق العظيم بصدق وإخلاص واشتياق .. وفي الخشوع صدق الطاعة لله والخوف منه واستمرار لمراقبته سبحانه وتعالى سراً وعلانية ، بل ويعتبر أماناً للنفس البشرية من نوازع الشرور .. كالصلف والغفلة والغرور .. وكما هو معلوم أن الخشوع لمبدع الكون وخالق الأرض والسماوات .. هو سمة الأنبياء والمرسلين ومن أهم خصال الإيمان في جميع الديانات .. وكذلك سمة المؤمنين الذين أعد الله لهم المغفرة والأجر العظيم .. كما أكد ذلك القرآن الكريم .. فهلا تمثلنا هذه السمة في حياتنا .. ليس في هذا الشهر الفضيل فحسب بل في جميع أيامنا .. لأن ذلك دلالة واضحة على صدق الإيمان واليقين .. وعلى الصلة الوثيقة بمالك الملك القوي المتين .. وهناك العديد من القيم والتعاليم .. التي أوصى بها الإله العظيم ، والرسول الكريم .. من أهمها الإحسان إلى الجار وعدم إلحاق الأذى به لأي سبب .. يقول رب العزة : (( والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب )) .. لكن ما يحدث في رمضان شهر القرآن ربما لا يحدث في غيره من الشهور والأيام على مدار الأعوام ، وبالأخص الخلافات التي تحدث بين الجيران والمشاجرات وما يصاحبها من نزق وانفعالات لأسباب هيّنة لا تذكر ، والظاهرة الغريبة أن تلك الخلافات والمشاحنات تزيد بنسبة كبيرة عما يحدث في باقي شهور السنة .. وتلك إشارة واضحة لعدم الإدراك الواعي لأهمية وفضل هذا الشهر الذي أكده القرآن والسنة .. وصورة غير حميدة تعكس بجلاء التجاهل البيّن لحقوق الجار التي قال عنها نبي الرحمة .. “ مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه “ وقال عليه الصلاة والسلام أمين الأمة .. “ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره “ وهناك آيات عديدة وأحاديث نبوية في هذه المعاني السامية .. وما يلفت الأنظار في هذه الأيام المباركة هو جشع بعض التجار .. وتلاعبهم بالأسعار دون خوف من العزيز الجبار .. في شهر التسابق على أعمال الخير ونيل الثواب .. متناسين أن هناك يوما لا ريب فيه للحساب .. وصدق سبحانه وتعالى مولى الثواب والعقاب .. حين قال : (( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره .. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )) .. ولهذا فالصدق والأمانة في التعامل .. وتجنب التفريط والزلل .. هي مرفأ النجاة لكل مسلم .. أدرك أهمية الاستفادة من دروس الصيام وتعلم .. فشهر رمضان هو مدرسة إيمانية .. تعلمنا السمو الأخلاقي وحسن المعاملة وتمثل القيم الروحية .. وتهذب الروح وتصقلها للحد من جموح النفس والجسد .. كما تعلمنا الصبر والجلد وحب الخير دون حد .. والإحسان لذي القربى واليتامى والمساكين .. وتلك هي القيم المثلى التي جاء بها الدين .. القيم التي نتمنى ألا تنحسر تدريجياً في مجتمعاتنا .. فحاجتنا ماسة إليها وبالأخص في هذه الفترات العصيبة التي تعيشها أمتنا .. وما تواجهه من حرب شعواء لتجريدها من القيم والمبادئ السامية .. والمعاني الأخلاقية .. التي جاءت بها ديانتنا الإسلامية .. وتلك هي القضية . [email protected]