عديدة هي أشكال العبث الإداري السائدة في عدد من الدوائر والمصالح الحكومية والجامعات الوطنية، والنماذج لذلك التسيُّب لا تعد ولا تحصى، وحيثما وجد الفاسدون والمفسدون والانتهازيون وتوفر لهم المناخ والمرتع المناسب لممارسة ألاعيبهم وهواياتهم المقيتة؛ وجد العبث وحلّت الفوضى وتزايدت المخالفات والتجاوزات الإدارية والمالية. ونعرض هنا إحدى صور العبث الإداري في إحدى الجامعات الوطنية، فقد ارتكبت عمادة إحدى الكليات في هذه الجامعة مخالفة جسيمة يُعاقب عليها القانون، حيث اقتحمت مكتب رئيس أحد الأقسام بالكلية أثناء مرضه ومكتب أعضاء هيئة التدريس في القسم وسلمتهما لموظفين آخرين؛ منتهكة خصوصيات القسم ورئيسه دون وجه حق، وقبل ذلك حوّلت بعض قاعات القسم إلى مخازن وكنترول لأقسام أخرى..!!. والمضحك في الأمر - «وشرُّ البلية ما يضحك»– هو أن تلك المخالفة امتداد للمساعي الحثيثة لتدمير أحد المنجزات العلمية النوعية في الكلية نتيجة لخلافات شخصية منذ سنوات بينها وبين مسؤول سابق عن ذلك القسم في تلك الكلية المعنية، وظل الحقد الدفين لدى العمادة على القسم وعلى المذكور رغم مغادرته الكلية للعمل خارج اليمن الميمون، وظلّت المساعي غير الحميدة في سبيل إغلاق القسم جارية بالرغم من مضي سنوات تعيّن خلالها رئيسان متتاليان لهذا القسم كما هو حال بقية الأقسام. وفي ظل الفوضى والعبث والتسيُّب الإداري؛ عومل هذا الأمر دون اهتمام، فلم يحرّك المعنيون أي ساكن رغم أن القانون يدين مرتكب ذلك الفعل المشين لاستهانته بالقانون والنظام، والأسوأ من ذلك أن من ساند ودعم في ارتكاب تلك المخالفة هو أحد المسؤولين بالجامعة، متجاهلاً توجيه رئيس الجامعة، ليلبّي الرغبة الجامحة للعمادة في مخالفة القانون وارتكاب الأخطاء وتجاوز الصلاحيات؛ وذلك ما أثبتته لجنة التحقيق حول ملابسات حادثة اقتحام مكتب أحد رؤساء الأقسام ومكتب أعضاء هيئة التدريس الكرام؛ بعد أن طال الأخذ والرد ومحاولة تمييع الموضوع على مدى ستة أشهر، واتضحت بعدها الحقيقة جرّاء الفساد والممارسات غير السوية لبعض المسؤولين والموظفين في الجامعة التي ربما تجري دون علم رئيس الجامعة. المفسدة الأسوأ هي عدم اعتراض المتخصّصين المعنيين بتطبيق القانون والنظام في الجامعة على تلك المخالفات، والسماح لأولئك بتنفيذ رغباتهم وتمرير ممارساتهم، مع أنه يُفترض أن يقف رجل القانون ضد كل مخالف أو متجاوز للأنظمة والقوانين دون أن يخشى في ذلك لومة اللوام، المهم في الأمر أنه عند تقاعس المعنيين عن إحقاق الحق وعن إيقاف التمادي في ارتكاب الأخطاء والمخالفات على مرأى ومسمع من الجميع؛ وجّه رئيس الجامعة بالتحقيق فيما حدث، وأوضحت له اللجنة المعنية المخالفات التي ارتكبتها بعض قيادات العمل الإداري بكل جُرأة في ظل تغافل القانونيين عن أفعالهم والسكوت التام، وحينها أصدر رئيس الجامعة توجيهاته بإعادة المكاتب المقتحمة في الكلية المنحوسة إلى أصحابها، وهنا حدثت المفاجأة؛ فقد تقاعس المعنيون عن تنفيذ التوجيهات ورفضوا الالتزام بها أمام اللجنة المكلّفة بالتحقيق والتنفيذ دون أي اهتمام، وأعيد الأمر ثانية إلى رئيس الجامعة لإبلاغه برفض المعنيين في الكلية لما وجّه به، فيكرّر توجيهاته الحاسمة الصارمة ويضيف إليها اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من تسبّب فيما حدث من تجاوزات ومخالفة للقانون والنظام، والعجب العجاب أن يُستهان للمرة الثانية بتلك التوجيهات ويتم رفضها دون أي اعتبار لأحد؛ لا لقرار رئيس الجامعة وتوجيهاته ولا لتوصيات لجنة التحقيق، وقوبل كل ذلك بكل تحدٍ وعدم احترام..!!. وأمام تلك الوقائع تبرز عدة تساؤلات أهمها: ما موقف رئيس الجامعة من الرفض الصريح لأكثر من مرة لقراره وتوجيهاته المستندة إلى نتائج وتوصيات اللجنة المكلّفة بالتحقيق في تلك الممارسات الخاطئة لبعض القيادات الإدارية التي لم تحترم النظام ولم تراع أخلاقيات المهنة الأكاديمية والإدارية..؟!. وماذا يعني استهتار واستهانة بعض المسؤولين بتوجيهات رؤسائهم وتجاوزهم لصلاحياتهم وتسخيرها للرغبات الشخصية، وما تفسير تمادي بعض القيادات الإدارية في ارتكاب المخالفات والتصرّفات الخاطئة على مرأى ومسمع من الجميع مسؤولين وموظفين دون اتخاذ أي إجراء للحد من ذلك العبث الإداري والممارسات المزاجية..؟!. ننتظر أن يلتفت المعنيون إلى ما يجري بحيث تُعار هذه الأمور الاهتمام، ويوضع حدٍّ للعابثين بالشؤون الإدارية والأكاديمية في الجامعات الوطنية، آملين ألا تكون لذوي الحل والعقد علاقة ما بكل ما يحدث؛ لأنهم حينها بالطبع لن يحرّكوا ساكناً لتستمر تلك المهازل والتسيب واللا مسؤولية في مثل هذه المنابر العلمية، ويظل الفاسدون والانتهازيون والمتسلّقون يرتعون ويعبثون كما يحلو لهم دون أي رادع في ظل التساهل والتردّد والتباطؤ في حسم الأمور، وغياب رقابة الجهات المعنية، وتلك هي القضية. [email protected]