في منطقة مجاورة لمنطقتنا كان أحد الوجهاء لديه ديوان واسع تُقام فيه الأسمار الرمضانية غير أن الحضور كان متوسطاً خلال سنين عديدة. وفي إحدى السنين قام الوجيه بتزويج ولده الشاب بفتاة حسيبة وذات جمال، وكما هو معلوم قبل عقود النساء كن لا يحتجبن. المهم أن الشباب كانوا يحضرون الأسمار ويكتظ الديوان إلى حد الازدحام الشديد. خلال الفترة ( 32-26) من رمضان ذهبت الفتاة مع زوجها زائرة بيت أهلها (عواده) وكانت المفاجأة خلو الديوان فلم يبق سوى كبار السن عدد ضئيل ، وكان الموقف محرجاً جدا ً فأضطر الوجيه لفتح سكن مستقل لولده فسأله البعض: أجاب هناك مثل شعبي يقول أن الفئران أكلوا القفة على رائحة الجبن. والقُفة: زنبيل من ورق النخل يسمى عند البعض (أجب) وكان قصد الوجيه من المثل أنه خائف على البيت زوجات ، بنات ، أخوات ، فالسمعة لن ترحم أحداً. سعيد المقوت.. والأمر الحكيم له مواقف غاية في الإثارة في حياته كلها كونه [عبّادي] أي أنه يتخوف من بعض الألفاظ والحركات ، وإذا حصل أن شخصا ً وخزه بأصبعه ينتفض بجنون ، وينتقم من الذين يثيرونه ولو بعد أيام طويلة. حسب قوله: إنه في أحد السنين جاء رمضان في شهر شباط [غيوم] وعلامات مبشرة بأمطار الصيف فحمل أكبر كمية من القات على عاتقه صاعدا ًمنطقة جبلية وعرة بهدف الوصول إلى مقام أحد السادة في ليلة القدر ليبيع القات على الحضور في هذا الجمع الحاشد. باع القات وبقي له القليل ، أفطر الحاضرون وأدوا صلاة المغرب في المسجد وعقب الصلاة مباشرة قام أحد المجاذيب وكسر الفانوس وبدأو بالنحبة (حي حي حي). جُن جنون سعيد ظنا ً منه أنهم يمازحوه على طريقته المعروفة فكان يضع يديه على اليتيه (خلفه) خوفا ً من المؤذين حسب فهمه غير أن المسجد بصوت واحد (حي حي) فكان يسب يلعن .. ما هذا؟ هل هذا دين أم ((....))؟؟ حاول الخروج هيهات ظلام ، فلمع البرق فلمح النافذة فظن أنها الباب قفز مسرعا ً وأصطدم بالجدار وسال منه الدم ، لكن خوفه على نفسه جعله متحفزا ً فلمع البرقة ثانية ، رأى الباب ، قفز فاصطدم بالإسطوانة وهو في حالة من الشتم واللعن لهذا التدين، ولمع البرق ثالثة فرأى الباب قفز لكن هذه المرة إلى وسط مغسلة الموتى فتأثر برضوض وخدوش كثيرة .. ولمح البرق فاقتلع نفسه وتوفق هذه المرة بالخروج.. صائحاً يا أسيااااد هذا دين وإلا (...) كلام سفيه فسمعه السيد فانتفض من مجلسه في الدور الرابع ثم ناداه فدخل عليه دماء ضاع منه بقية القات، لاعمامة، لا نعال فعرف السيد ووضع بعض العلاجات فطلب الأمان من السيد لا يريد أي شيء فقط ينام في زاوية الديوان وذهب في نوم عميق حتى الساعة (2) بعد منتصف الليل صعد الجميع من المسجد إلى الديوان وبدأووا [حي حي حي] انتفض سعيد من نومه صائحا ً (سيد هل سيكسروا الفانوس؟ السيد: لا لا. سعيد يسمع النحيب وهو في زاوية الديوان وينفعل بحركة يديه بصورة موحية بفعل (مريب) ويردد كلاما ًبذيئا ًعلى نفس الإيقاع يقصد سباً لأم الذي ربت هؤلاء المجاذيب فما أحسنّ تربيتهم وطباعهم قذرة.. وكان بعض الوجهاء مع السيد يلاحظون سعيد فعلا ً وقولا ً فدخلوا في إغماء من شدة الضحك وبعد ساعة وسعيد كان شعلة وقد بح صوته، أمر السيد بإيقاف النحبة وصرفهم ، والتفت إلى سعيد الذي انعدم صوته لكن قال للسيد [أقول لك إذا كان هكذا الآمر الحكم لن أعود ولو كان عود القات بجنية ذهب، ويقصد بالآمر الحكيم أن ليلة فيها يفرق كل أمر حكيم والناس يدعون لأنفسهم بالخير وهؤلاء طوال الليل بحضرتك (نحيب فقط) فأين الدعاء والذكر والقيام؟