لا يمكن مطلقاً الفصل بين ما حدث في عمران وطرد سلفيي دماج من صعدة، حيث شعر الحوثيون بنشوة الانتصار بعد انحسار وتراجع كاد يسقطهم، فقد التفت عليهم كثير من القبائل المتعاطفة مع السلفيين، فضلاً عن التداعي السني، وفي لحظة غامضة تم التوقيع على صلح قضى بطرد السلفيين من صعدة، وبررت الجهات المعنية ذلك بتلقيها تحذيرات باستعداد دول غربية لقصف السلفيين بحجة أن دار الحديث الذي يتبعهم فرّخ مجاميع إرهابية، لكن التهديد الغربي لا يعني غير سند صارخ قادته أمريكا دعماً للجماعة الحوثية الموالية لإيران. بعدها بأيام قليلة خاض الحوثيون حرباً في محافظة عمران ضد آل الأحمر، وانتهت الحرب بصلح قضى بخروج آل الأحمر من معقلهم وموطنهم، وهذا أكسب الحركة الحوثية زخماً عسكرياً وإعلامياً استثنائياً، وما لبثت الجماعة أن فتحت جبهات للحرب في محافظة الجوف المتاخمة للحدود السعودية والمديريات المحيطة بالعاصمة صنعاء، وكانت تخرج منتصرة بعد كل اتفاق صلح، إذ يلتزم الطرف الأول بتنفيذ بنود الاتفاق وتتنصل الحركة الحوثية، دون أن يُسائلها أحد، ما يعني وجود تواطؤ وهو تواطؤ ترعاه أمريكا ودول إقليمية رغبة في تنمية العضلة الحوثية، لضرب الإخوان المسلمين. أما زعيم الحركة الحوثية عبدالملك بدرالدين الحوثي فهو كشخص لا يرى مستقبله إلا زعيماً لدولة، وأي حديث عن تفكيك جماعته أو نزع سلاحها، أو كبح جموحها فهو مسكنات للاستهلاك المحلي، لأنه ليس الوحيد الذي يقف خلف جماعته، فهي القاعدة الأساسية التي سينطلق منها مشروع الشرق الأوسط الجديد، بحسب الخريطة التي أعلنتها “نيويورك تايمز” الأمريكية في سبتمبر 2013 وتظهر فيها السعودية هدفاً رئيسياً للمشروع الأمريكي. وإذا خضنا في صلب الحرب التي دارت في عمران والمحافظات القبلية في شمال الشمال يمكن القول يقيناً إنها جزئية بسيطة في مشروع أمريكي إيراني يمر بتمويل إقليمي لإعادة هيكلة الشرق الأوسط والأخص منه دول الربيع العربي، وما يخص اليمن من ذلك المشروع هو تفتيت الجناح القبلي المسلح الساند للإخوان المسلمين، حتى يسهل تفكيك الجناح التنظيمي المدني، في لحظة لا يمكن فيها للإخوان التلويح بعصا القبيلة الغليظة، مع وجود إشارة ضرورية وهي أن إخوان اليمن طوال نصف قرن ظلوا سنداً أساسياً للدولة في تثبيت أمنها واستقرارها، فضلاً عن دعمهم الفكري للتوجهات الحكومية لدول الخليج. خطورة التداعي لسقوط عمران وانتفاخ الحركة الحوثية، هو ما جعل رئيس الجمهورية يسرع إلى توجيه الحكومة بإعداد خطة مكتملة لتطبيع الأوضاع بعمران وإعادة إعمارها، وسحب كافة القوى الميلشاوية المسلحة منها، وبسط نفوذ الدولة، واسترجاع كافة أسلحة الدولة المنهوبة من الحوثيين... أما سقوط عمران فأحد معانيه سقوط القيمة السياسية والأخلاقية للحركة الحوثية، إذ ستظل تقدم نفسها كحركة ديناميت، وظيفتها تفجير كل من يقف أمامها، دون أن تحمل للمجتمع أي مشروع سياسي أو اجتماعي. [email protected]