لقد ضقنا ذرعاً بالأداء السياسي للأحزاب الفاعلة في الساحة اليمنية اليوم .. مضى وقت طويل ونحن اليمنيين ننتظر من التعدد الحزبي أن يكون أداة لضبط إيقاع الواقع على التشارك أو التنافس الشريف الذي يقود إلى نهضة الوطن وتحسين معيشة المواطن, فكلهم شركاء لا أعداء, ولكن الأحزاب حتى اليوم لم تنضج ولم تتخلَ عن المزاج القديم الذي يلغي الآخر ويسرف في تزكية الذات وحدها, وبالتالي فلم تنجح هذه الأحزاب في تحقيق شيء لهذا الوطن يخرجه من دوامة المشكلات التي لايزال مأسورًا لها. ربما تكون الأحزاب ناجحة في إدارة خلافاتها وتناقض رؤاها وخلق آفاق رحبة للعمل السياسي كلما اشتد الخناق وتعكرت الأجواء, ولكن في المقابل: هل تمكنت النخب السياسية من القضاء على أزمات واختلالات تتوارثها مؤسسات الدولة الخدمية وغير الخدمية, ولايزال المواطن هو من يكتوي بنارها, أو بعبارة أخرى: هل انتقلت الأحزاب مما هو سياسي إعلامي إلى ما هو سياسي خدمي فاعل حتى تستحق أن يقول لها المواطن البسيط: شكرًا؟ بالتأكيد لا, فالأحزاب جميعها حتى اليوم مصرةٌ على البقاء في دائرة النخبة, متناسيةً هموم البسطاء ومعاناتهم جراء انقطاع المياه والكهرباء والبترول والديزل وأعمال النظافة والخدمات الصحية والتعليمية المطلوبة. حين تنظر إلى المواطن, وتجده لايزال ذلك الذي واجه في الماضي ولايزال يواجه اليوم لوحده صنوفًا من الأزمات وغياب ما هو حق له أو التقصير فيه من قبل المعنيين فإنك حينئذ لا بد أن تدرك أن السياسة لا تقدّم شيئاً, وأن النخب السياسية غير قادرة على صناعة التحول, وتأكد حينها أن العمل الحزبي في هذا الوطن يقوم لمجرد التحزب, أي التخندق خلف الفكرة أو الأيديولوجيا واستعداء ما دونها, وليس التحزب بهدف إيجاد البرامج الجادة التي تستطيع تحقيق النقلات النوعية في مختلف المستويات. ظللنا في الماضي ونظل اليوم وربما سنظل غدًا وبعد غدٍ عاجزين عن فك شفرات الفساد وكشف الأقنعة عن الوجوه التي تعادي المواطن وتؤذيه في حقوقه التي يدفع ثمنها, ومع ذلك يُحرَم منها ويُسمح لعصابات الفساد أن تتلاعب بها, وكأنه ليس في هذا الوطن أحد بمقدوره أن يقف في وجه من يعادي هذا الشعب.. أقول ذلك اليوم وأنا أجد كل الفرقاء السياسيين عاجزين, ويجهلون ما يحدث في هذا الوطن, والكل يريد أن يعرف.. الكل يشتم الفساد ويدعو على المفسدين والمتآمرين, وحتى إذا أردنا أن نرى صورهم تساءل الجميع: من هم؟ وأين هم؟ وبهذا تختلط المفاهيم في عقول الناس, وتضيع الحقيقة بين كومة من الأخبار المتناقضة, فلا يجد هذا الشعب غير التعايش مع المشكلات, وكأننا ما خلقنا إلا لنكون كذلك. أين ما ينفع الناس يا أحزابنا السياسية, بدل هذه الدورات المتجددة من الصراع والتربص بالآخر؟ [email protected]