كثيرًا ما نعيش فجوات بين التنظير والتطبيق عند من يتسلّمون زمام المسؤوليات في المرافق الحكومية, وهذا يعود إلى أن المفهوم المتداول لمصطلح “الكفاءة” مفهوم قاصر يقوم على الفصل بين معنيين أساسيين فيه, أحدهما الإعداد/ التأهيل, والآخر الممارسة/ التطبيق, وعلى أساس هذا الفصل جرى تولية من يمتلك المؤهل ولا يستطيع التطبيق فحدث الفشل, أو تولية من يستطيع الممارسة ولا يملك النظرية والتصورات فحدث الفشل أيضًا, لأن الأول معاق, والثاني أعمى. أتذكر أنه في حكومات سابقة كان ثمة توجه لشغل المناصب والمسؤوليات على مستوى (وزير/ وكيل وزارة/ مدير عام) بأساتذة من بعض الجامعات, وهذا الإجراء كان يطمح إلى تأسيس حكومات تكنوقراطية, ولكن لم يكن أداء بعض الأكاديميين يساعد في السير في هذا الطريق إلى آخره, ولا شك أن بعضًا من أولئك كان لديه التصورات ولكن حالت دون تحقيقها أسباب كثيرة, أبرزها عجز هذا المسؤول ذاتيًا عن التطبيق وضعف إرادته في إنجاز شيء يُذكر به, وربما سمعنا عن بعض الشخصيات من ذوات المؤهلات الدنيا التي استطاعت أن تنجز أشياء لا تزال تذكّر بها حتى اليوم. واليوم نحن ندلف إلى خمسين سنة أخرى من عمر الثورة اليمنية ونحن لم نستطع مجاوزة المشكلات التي قضى عليها الآخرون قبل عشرات السنين, ولم يعد في الوقت متسع لصناعة الفشل, فالوطن اليمني لا ينبغي أن يكون حقل تجارب حتى يرث الله الأرض ومن عليها, ولذا فليس أصلح لمسؤوليات هذا الوطن ومؤسساته من التعيينات المشروطة التي تنبني على معرفة ما في جعبة هذا المرشح أو ذاك من الإجراءات التطبيقية وليس التصورات النظرية التي يمكن أن تتحقق أو لا, فلا بد من أن يكون تحمل المسؤولية بناءً على التزام من المسؤول بإنجاز شيء وفق برنامج زمني مدروس. ولهذا فإن ما قاله محافظ تعز عن هذا الموضوع في مؤتمره الصحفي الأخير يعد كلامًا مهمًا؛ لأن المسؤول الحريص على تحقيق الأهداف الاستراتيجية من حقه أن يختار ليس أصحاب الكفاءة والنزاهة فحسب, وإنما أصحاب الاقتدار والنشاط من هؤلاء, الذين يستطيعون أن يوظفوا معارفهم ومهاراتهم في معالجة المشكلات وإنجاز الحلول, بعيدًا عن أي اعتبارات أخرى. للأسف لا تزال السياسة تحول دون تمكين صاحب النشاط وحب الإنجاز من هذه المسؤولية أو تلك, فلا تزال ثقافة المحاصصة وإرضاء مراكز القوى تجري في مؤسساتنا ومرافقنا الحكومية بناءً على اعتبارات جهوية أو أسرية أو حزبية, على الرغم من أن الشباب الذين ضحوا بدمائهم كانوا يحلمون بواقع جديد لا صوت فيه يعلو على صوت المعرفة والكفاءة والنزاهة لبناء وطن متطور, ولهذا فنحن ننتظر من الأخ شوقي هائل أن يستهدي بالنجاح الإداري والفني لمجموعة هائل سعيد أنعم التجارية والصناعية, في إحداث ثورة إدارية تساعده في تحقيق أهدافه التنموية التي يسعى من خلالها إلى تطوير تعز أرضًا وإنسانًا. لقد مكثنا عشرات السنين عاجزين أمام سطوة العلاقة المزروعة بين المنصب والوجاهة, أو بين المنصب والمحسوبية وظلت المشكلات تترحل جيلاً بعد جيل حتى يئس الناس واعتقدوا في قرارة أنفسهم أن الحياة لا بد أن تكون على هذا المنوال, وراحت كثير من بؤر الفساد تروّج مقولة “الفساد ملح التنمية”, وهي في هذا كاذبة, لأن ممارستها لا تشير إلا إلى أن الفساد هو الوجبة الدسمة وأن التنمية هي الملح, وهو أمر معيش ولا يستطيع أحد إنكاره, ولتنظروا إلى حجم التنمية التي تحصلنا عليها في مقابل حجم الفساد والهبر المنظم وغير المنظم. كم يسرني أن أرى هذا المسؤول أو ذاك يلتزم على نفسه بأنه سينجز مهامه على المستوى المطلوب وفق برنامج زمني, وأن يرى المواطن أثر ذلك واضحًا, وإلا فإن عزله أمر حتمي ليأتي غيره تحت هذا الشرط نفسه .. إذا رأيتُ ذلك فسأؤمن بأن ثمة تحولاً في مفهوم المسؤولية عند المسؤول اليمني, لأن السائد في ثقافة كثير من المسؤولين أن المسؤولية ليست إلا تشريفًا وإذنًا بإدارة الأمور بحسب المزاجية وما تقتضيه العلاقات .. لكننا حتى اليوم مصرون على الأمل والتفاؤل بقدوم غدٍ أفضل. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=456255651080182&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater