نقرُّ أن الإقتصاد الوطني على حافّة الإنهيار ، وأنّ المستفيد الأكبر من دعم المشتقات النفطية، الذي كان يزيد ،حتّى ثاني أيام عيدالفطرالمبارك لهذا العام، عن (10) ملايين دولاريوميّاً ،وعن (22) مليار دولارخلال العشر السنوات الماضية، يذهب لجيوب ميّتيّ الضمائر من التُّجاروالمهرّبين الذين يعملون ضمن منظومات شبكات الفساد المتخمة . الأمر الذي يعني بان الثمن - إن كانت بقيت الأوضاع على تلك الحالة- سيكون- إلى جانب انهيارالاقتصاد - انهيار كيان الدولة والنسيج الاجتماعي ، وربّما سيحدث ذلك، قبل إعلان وزير المالية ، ومحافظ البنك المركزي اليمني استقالتهما وفرارهما من البلد.. هذه حقيقة يجب أن يعترف بها الجميع ، بعيداً عن الاستثمارات السياسية والمقامرات التي لن يجد أي مزايد معها أي فرصة ،أو وقت كي يستمتع بها ويهنأ بتشفّيه بخصومه السياسيين، لأنه، بكل بساطة ،لن يجد وطناً موحّداً ولا دولة قائمة ، ولامؤسّسات، ولو في حدودها الدنيا كي يتاجر باسمها، أو يكسب ودّ الشعب وأصواته الانتخابية.وجماهيره المستعدة للخروج للسّاحات والميادين والشوارع لتهتف بحياة هذا الحزب ، أو ذاك ، وبشعارات النزاهة والثورة المجيدة والمدنية الزائفة، في ظل واقع مريع ، لا سمح الله ، كذلك الذي كان سينتجه ، حتماً، الاستمرار في إدارة العجلة للخلف والإذعان لسماسرة ولصوص تهريب المشتقات النفطية . على المستوى الشخصي ، وإن أردتم رأيي،فأنا، من حيثُ المبدأ، ضد«جرعة» الجُرع ، المتمثلة برفع الدعم عن المشتقات النفطية، لأني، بكل صراحة، أول المتضرّرين وأكثرهم تجرّعاً لمرارة مثل هكذا إجراء، لكن ، بنظرة فاحصة وتأنٍ ومسؤولية حقيقية تجاه هذا الوطن وناسه ومستقبل أبنائه ، أعتقد أن عدم القيام بهذه الخطوة ستكون نتيجته، بالفعل، انهياراً اقتصادياً كاملاً وإعلان فشل وتفكك هذه الدولة وتحوّلها إلى إمارات طوائف ومشائخ حرب وأمراء خراب وفوضى ودمار وسفك دماء وتوحّش .. صحيح أن السواد الأعظم من اليمنيين يعيشون على الحافّة ويقتاتون الألم ، وصحيح أن الفقر سمةٌ عامّةٌ للشعب ، فالكاتب - مثلاً- فقير،والمعلّم فقير ،والجندي فقير ، والصحفي فقير ، والموظّف فقير.. وصحيح أن هذه، إن جاز تسميتها ب « إصلاحات » ، ستزيد من تعميق جروح ومعاناة هؤلاء ، لكن السؤال الذي يكتسب مشروعيته ومنطقيته في هذا الشأن هو : ماهوالإجراء والخيار البديل ؟ وقبل الإجابة عليه ، رجاء علينا أن نُناقش المسألة بجدية ووعي ومسؤولية ، بعيداً عن ادّعاءات التدثُّر بقيم الوطنية والإنسانية ورحمة المساكين والفتوّة والنُّبل.. وبعيداً - أيضاً - عن التهيّيج والتحريض ، واستغلال الأوضاع وإشعال فتيل العاطفة والحاجةلدى الناس.. ما يحتّم على الجميع أن يكونوا أكثر منطقية وشفافية ، وفهماً لهذه القضية، انطلاقاً من حقيقة أن كُلّ منطق لايُساعد صاحبه على معرفة مصالحه واستيعاب واقعه والمخاطر التي تتهدّده ، فإنه منطق عدمي، كالدُّخان بدون نور وضوء ونار . وباختصار - يا بني قومي- فهذه «الجُرعة » بمثابة إنقاذ لإقتصاد ودولة اليمن من الانهيار الشامل. وكلامنا هذا لا يعفي الحكومة من تحمّل المسؤولية الأخلاقية والقانونية والإنسانية في مواجهة الآثارالسلبية على المواطن، والمترتبة عن رفع الدعم عن المشتقات النفطية ، لأن راتب الموظّف الشحيح ، الهزيل لم يعد يفي حتّى ما نسبته 15 % من التزاماته المعيشية ، خصوصاً بعد فوران الأسعار وأجور النقل التي سبقت ومهّدت هذا الإجراء، بشهور، إضافة لطفرة الأسعارالأخيرة التي تزامنت معه ولحقت به ..ونرجو أن لانكون متشائمين إذاما قلنا : أغلب الظّن أنها لن تتراجع ، أو تتوقف في ظلّ شروط الصراع الرخيصة التي عنونت المرحلة . وغنيٌّ عن البيان القول إن تحويل نصف أوثُلث المبلغ المالي الذي كان يذهب لصالح فاتورة دعم المشتقات النفطية والذي يزيد عن (700) مليار ريال في العام، لصالح رفع أجور موظّفي القطاع العام والمختلط في الدولة ..وهذا الأمر في غاية الأهمية ويرتبط بالحفاظ على شيء من الأمن والأمل ، ومن شأنه - أيضاً - التخفيف النّسبي من معاناة وضائقة شرائح واسعة من المجتمع ، ومن غير المعقول القول - أيضاً - أن اطلاق العلاوات السنوية المُكبّلة في أدراج وكشوفات وزارة المالية، هي كل ما يمكن أن تجود به الحكومة للموظّفين ، لأنها أصلاً، حقّ ثابت ومكتسب للموظّفين ، رغم قِلّتها التي لا تستحق الذّكراو التعويل عليها في الاوقات العادية ، فما بالنا في مثل هكذا هزّة سعرية ،تصاعدية، فلكية كهذه. نعود ونقولُ ، الجميع معنيون بالدفاع عن هذا الوطن وكيان دولته ومؤسساته واقتصاده من الانهيار.. والجميع معنيون - أيضاً - بالدّفاع عن حقوق الموظّفين والفقراء والغلابى ، والمحرومين ، والجميع معنيون في الدفاع عن أنابيب النفط من التخريب والتي تؤكد التقارير الرسمية ، أن البلاد خسرت بسببها (3٫3) مليون برميل نفط خلال أربعة أشهر . وتأسيساً على ذلك ، ففي ظنّي المتواضع أن على رجال الدين القيام بمسؤولياتهم في توعية المجتمع وتقديم النصح للشّعب والحكومة ، والعمل من أجل الحفاظ على كيان الدولة والأمن من الانهيار، فنصيحة وفتوى رجال الدين وأصحاب الفضيلة العلماء ،جداً ضرورية وهامة في هذه الظروف التي يمرُّ بها الوطن ، فلا يليق بأي شخص ممارسة الخديعة بالأمة وجعل الدين مطية سياسية للوصول للسلطة ،أوتحقيق مكاسبٍ مادّية ومُتع دنيوية ،ضريبتها التزييف وإفراغ الدين من قيمته وقيمه ومبادئه وثوابته وروحانيته ، وجعله مجرد طقوس وممارسات تُخدّر وتقيّد المرء، بما قرّره بحقه الغيب والمكتوب من ذُلّ ومهانةٍ وعبوديةٍ وفقرٍ ومرض. [email protected]