الاصطفاف الوطني؛ فكرة مجرّدة من الأنانية، وهي تعني تجييش قوى الشعب وتنظيمها لإنجاح المتفق عليه من الثوابت الوطنية التي لا يختلف عليها إلا مريض، مثل الوقوف في وجه خطر يهدّد الوطن، وإخراج البلاد من أزمتها الخانقة، ومن مرحلة الفوضى والاحتقان والتوهان إلى مرحلة الدولة والاستقرار وبَرّ الأمان، والوقوف في وجه ظاهرة السلاح والميليشيات التي تناهض الدولة وتسعى إلى تخريب الوطن. وكل هذا موجود في مخرجات الحوار الذي يهدف «الاصطفاف» إلى تنفيذها، وهو لا يعني التنازل عن الثورة ودماء الشهداء كما يردّد البعض، كما لا يعني مكافأة القتلة، فالاصطفاف يتم مع قوى وطنية موجودة في الشارع ومن ضمن النسيج الاجتماعي والسياسي، وهذه جزء من الشعب لا يمكن إقصاؤها. ولأن كل ثورة شعبية سلمية من أهدافها أن يسهم الجميع في البناء على قواعد واضحة ديمقراطية، ولم يكن من أهداف الثورة إحلال قوة بدل قوة بقدر ما يكون إزاحة أوضاع فاسدة بأخرى صالحة عن طريق وضع قواعد قانونية ودستورية يحترمها الجميع، ولم يكن من أهداف الثورة الانتقام أو الإقصاء مع بقاء الحقوق قائمة ومحاسبة المجرمين عن طريق قوانين عادلة، وهذا موجود أساساً في مخرجات الحوار الوطني مثل «العدالة الانتقالية» وشروط انتخاب الرئيس وكبار مسؤولي الدولة، الحوار وثيقة يجب أن تُقرأ بدلاً من أن نذهب بعد الصراع العبثي كمن يهدم بيته ويعمر ثانٍ، وكلما عمّر شيئاً هدمه ليكون شيئاً من الجنون. يعتقد البعض أن الاصطفاف فكرة مستحيلة وأكذوبة كبرى؛ وهذا غير صحيح، هو فعلاً صعب، لأن أصحاب المصالح ومصاصي الشعوب هم أول المتضرّرين من أي اتفاق شعبي، والذين يسعون بكل قوتهم إلى إعاقة وتشويش وإفشال الاصطفاف الشعبي، الذي يجب أن نعرف أنه ومهما كانت صعوبته فهو هدف نبيل ويجب أن يكون هدفاً لكل المخلصين حتى يتحوّل إلى ثقافة تحمي المصالح العامة والثوابت الوطنية وتخرجها من دائرة الصراع، لأن مشكلة العرب عموماً هي أنهم يخلطون بين العام والخاص، والبعض مستعد أن يتنازل عن مصلحة بلاده و«يبيع أمّه ويرهن خالته» نكاية بصاحبه، أو بسبب المشاجرة على بقرة سائبة يدخلون حرباً تحرق الأخضر واليابس كحرب البسوس العربية..!!. التحمُّس لفكرة الاصطفاف الوطني تبدأ عندما يشعر الجميع أن خطراً ماحقاً يهدّد وطنهم وبيوتهم؛ وهذا حاصل في اليمن وبعد الشعور يحتاج إلى حس وطني ونفوس تتسامى وتتسامح وتبادر، والمبادرون هم خير الناس لكي ينقذوا بلادهم ويخرجوها من عنق الزجاجة، وإذا نجحوا في أن يصطفّوا لإنقاذ بلادهم من الخطر؛ سينجحون في البناء؛ لأن النجاح يغري بالنجاح وتتحوّل حماية المصالح العامة إلى ثقافة وعادات حسنة لا تتأثر بالخلافات السياسية؛ وهو أمر سيجنّبنا الكثير من الكوارث وتخريب بيوتنا بأيدينا. [email protected]