يُصرُّ الطغاة على وضع الناس بين خيارات مُرَّة ثم يحاولون تهيئتهم نفسياً وفكرياً لتقبل هذه الخيارات بل والدفاع عنها ومحاربة من يحاول الخروج من دائرة خيارات الطغاة بوصفه يسعى إلى الفتنة. من هذه الخيارات تحقيق الأمن مقابل نهب الثروة والتصرّف فيها دون أدنى مراقبة أو محاسبة كما هو الحادث في بلدنا الحزين منذ زمن فيصبح بين الشعب والحكومة ما يُشبه العقد، على الحكومة توفير الأمن وعلى المواطن الكَد من أجل البقاء على قيد الحياة فقط، فلا طموح ولا بناء تعليمي صحيح ولا حياة كريمة ولا أمن نفسي. يخرج الشباب - وأخصّ الشباب هنا لأن دائرة اهتماماتهم وطموحاتهم أوسع بكثير من اهتمامات الجيل السابق ولأننا في زمن التواصل ولأن المقارنة بين وضعنا وأوضاع الآخرين ممكنة - للمطالبة بحياة كريمة كحق بسيط للمواطن وواجب مقدّس على الدولة فيواجههم فريقان: فريق من بسطاء الناس ممن ارتضوا العيش على هامش الحياة وتشرّبوا خيارات الطغاة ولا يريدون من الحياة أكثر من لقمة تَسُدُ الرمق وظِل يستظلّون به من حر الشمس، ويغلب عليهم الجهل والفقر. هؤلاء حق وواجب على النُخب المثقفة المناضلة توعيتهم ومحاولة محو أميتهم والصبر عليهم واحتوائهم، فهؤلاء تم تجهيلهم من أجل تطويل عمر الظلام وتفجيرهم في وجه كل من تسوّل له نفسه بالمطالبة بوضع جديد أو حياة كريمة، هذا الفريق هم بالنسبة لنا آباء وأمهات وإخوة وأخوات وأدنى واجباتنا نحوهم تعليمهم وتثقيفهم. الفريق الثاني لا يختلف عن الفريق الأول في كونهم من المجتمع إلا أنهم من الطبقة التي صنعت لنفسها وضعاً خاصاً فلا يهمهم من تحتهم ولا مشكلة لديهم مع من فوقهم ولا يريدون من الدولة فعلاً أكثر من الأمن ولأنهم من أصحاب المال والأعمال فهم أول من يقف في وجه كل من يطالب بوضع جديد وحياة آمنة نفسياً ومادياً، يستطيعون الوصول إلى أي مكان يريدون، لا يهمهم وضع التعليم في البلد لأنهم قد صنعوا لأبنائهم وضعاً تعليمياً خاصاً داخل البلد أو خارجه، تذهب إلى المعاملة في أكثر من جهة في اليمن ستجد ولابد صفاً كبيراً عند نافذة الموظف يتعرّض لدرجة كبيرة من الإهانة والاستخفاف وتأخير المعاملات وصف صغير آخر داخل مكتب الموظف هذا الصف لا يضطر إلى البقاء تحت حرارة الشمس وبين البسطاء ولا يضطر أبداً إلى الانتظار للفترة المحددة قانوناً لخروج معاملته، وقس على هذا الوضع في كل شيء، في الطب، في الجيش، في الوظيفة العامة، فريق أناني جداً في كل شيء، هذا الفريق هو أكثر من يرفع شعار: سلام الله على الماضي وهو الفريق الذي تحدّث عنه أبو بكر وعمر وكل من سجَّلهم التأريخ في صفحات العدل والحكم الرشيد بُجُمل مختلفة في المبنى متفقة في المعنى مفادها: الضعيف قويٌ حتى يؤخذ الحق له والقوي ضعيف حتى يؤخذ الحق منه.. المهمة الصعبة المُلقاة على عاتق المناضلين مستقبلاً هي إزالة الطبقية وذلك بتوفير قدر كافٍ من الحياة الكريمة لكل الناس ما يجعلهم يتجهون جميعاً اتجاهات صحيحة نحو حياة معاصرة يعرفون فيها حقوقهم وواجباتهم ولابد أن تتغلّب إرادة الخير والله يتولّانا جميعاً ويرعانا. [email protected]