إذا أردت أن تكتب عن خرصان عليك أن تذهب إلى (عبار) حيث العصافير تعلّم فراخها الطيران.. هناك ترى الشاعر خرصان يحث أجنحتها إلى اتخاذ بعد في التحليق. ستجتاز في طريقك إليه ساقية ماء تذكّر السحاب كم أن الأرض كريمة أيضاً. ساقية أخرى ترى في ماء عينها الوجه الأخضر لحواف السواقي الذي يميّز المنطقة عن غيرها.. لتستحيل أمام عينيك صفحة خضراء لوّنها المطر. في طريقك ستجد جبالاً فاضت احتفاءً بتلك القرى فتخلّت عن شموخها واختارت انسيابية الهضاب لاحتوائها.. فكان أن استحالت ضياحها إلى حقول زراعية تشبه أخاديد ناصية محمد خرصان وهي تفيض عطاءً لأبنائه. رحل محمد خرصان عن تلك الحقول وعرفنا حتماً أين ذهب شموخ تلك الجبال برحيله. لقد رحل إلى ربه.. وبقي ولده الأوسط الأستاذ/أحمد طارش خرصان يبحث عن والده في اسمه.. دون جدوى. يكتب صديقي خرصان مقالات عن بلده.. ويرجع إلى قرية عبار يضع الجريدة هناك.. حيث يحترف الراحل محمد خرصان فرصة اختلاس غياب ولده.. ليقرأ في الجريدة صورة والده قائلاً: هذه الصورة أنا. أن تتحوّل الصور إلى أسماء معنى يدركه البعض.. وأن تتحوّل الأسماء إلى صور أحرف يجهلها الكثير. أحمد طارش خرصان من القلائل الذين يعرفون معنى أن تتحول الصور إلى أسماء خالدة.. فكان أن جعل والده صورة وغيّب اسمه فيها. فهناك أشياء ممتلئة ولا تحتاج اسماً للدلالة على ذلك الامتلاء. في صباح ذلك اليوم كانت رسالة على هاتفي.. أبي مات. ذهبت إليه منتصف ذلك اليوم بمعية خليل المهنى وأثناء احتضاننا لجسده الضخم لتعزيته قالها بحرقة طفل: خليل قدنا يتيم. تلك اللحظة رأيته كعصفور صغير فقد ثقته بالطيران لحظة ما، وجعلني أفقد الكلمات التي طالما امتلكها لحث فراخ العصافير على الطيران.. كلما امتلكته حينها قطرات دمع لم أجد لها أثراً على خدّي اكتفتْ بالبقاء على أشفار العين.. كساقيةٍ تنتظر فصلاً ما لتتدرب في منحدراتها على معنى التكسّر. إليك صديقي العزيز/أحمد طارش خرصان عزائي الصادق.. اخترت هنا أن أشاركك العزاء في رحيل والدكم/محمد طارش خرصان.. عظم الله أجركم وصبّركم، إنا لله وإنا إليه راجعون. (عبار) قرية في عزلة وراف.. من محافظة إب.