ثقافة العنف مسيطرة على المجتمع بصورة تبعث على الخوف، وتتجلى تلك الثقافة في الموروث الشعبي الذي تسيطر عليه لغة العنف والدعوة للاقتتال واستلذاذ الدماء..أمام ندرة الحكم والأقوال والمواقف الباعثة على الأمل والخلق والإبداع. من هذه الاقوال المسيطرة على عقول الناس «الهرج نصف القتال» «من كان يضرب الناس كان القضا في عياله» «اعسر الحرب لقاه» «بعض الناس لا لشارة ولا غارة ولا ليوم الحمار» ..وهناك المئات المئات من هذه الأمثال فما البال بآلاف القصص والحكايات التي تربط القوة بالقتل والشجاعة بالعنف ..والإبداع بالقدرة على التحايل والخداع، وكأن ثقافة المجتمع ولدت من رحم “دم” !. *** كلمة الميزة ترتبط بشيء إيجابي، لكنّ هنا ترتبط بشيء سلبي للغاية فالبلد دونا عن سائر بلدان العالم تتميز بسيطرة تلك الثقافة العنفية مع خلو شبه تام لثقافة الإعمار والبناء. فمثلا تسيطر ثقافة الإخاء والمحبة والسلام في الهند ولعل مقولات المهاتما غاندي هي المسيطرة على المجتمع ، حتّى إن غاندي عندما ذكر العنف أورده بصورة تبعث على استفزازه والابتعاد عنه إن النصر الناتج عن العنف هو مساو للهزيمة، إذ إنّه سريع الانقضاء. ومثلا تسيطر ثقافة النظر للأفق والإبداع لدى الأمريكان ومن أقوالهم التي يقدسونها « أبق وجهك في اتجاه الشمس ولن ترى الظلال». «العلم توصل لعلاج معظم الشرور، ولكنّه فشل في علاج أسوأ هذه الشرور وهو اللامبالاة تجاه النفس البشرية». أمّا فرنسا فأقوال من مثل «العقل هو النسيج الموجود و جوهر التاريخ ومضمون الواقع»لجان بول سارتر هي المسيطرة على المجتمع..أمّا في وسط أوروبا فمقولات ترقى بالإنسان من مثل مقولة لفولتير «بحسن التقدير نجعل الاخرين من ممتلكاتنا الخاصة» هي السائدة . هل ثمة مفارقة بين مجتمعات تسيطر على ثقافتها كلمات من مثل «إبداع» «خلق» «ابتكار» «ارادة» «أمل» ومجتمع يقبع وحيدا في الطرف القصي من العالم وتحديدا جنوب الجزيرة العربية لا تفقه ثقافته الشعبية سوى كلمات من “ قتال” “دم” “ضرب” “غارة” ..في الحقيقة ثمة مفارقة لا تحتاج لعالم ليكتشفها! فأين ..ومتى ..وكيف يمكن لهذا المجتمع أن ينهض وثقافته الشعبية لا تفقه لغة العلم والإبداع ثقافته لا تمنحه الأمل بغد بهي وأجمل..تدفعه للمحبة والإخاء.. *** آه .. أوردت كلمة “سيطرة” في المقال أكثر من “عشر” مرات في اشارة إلى أن الموروث الشعبي ليس وحده المتهم بنشر العنف والدم على مدى آلاف الأعوام من الاقتتال، بل لغة الحاضر أيضا!. [email protected]