ما الذي يمكن أن نكتبه في ذكرى الزعيم الخالد جمال عبدالناصر؟ يتسرّب من ذاكرتي بيت البردوني العجيب عن عبدالناصر: ما أنجبَت غيرَ (عبدالناصر) امرأةٌ ولا اقتفى (الحسن البصري) قنّاتُ لقد مرّت أربعة وأربعون عاماً منذ رحيل عبدالناصر، ولم يزل اسمه رمزاً ساطعاً على القومية العربية. لستُ مع تقديس الأشخاص ولا صناعة الأصنام، لكني مع احترام المواقف مع وجود النقد البنّاء الذي يصوّب ويبني ولا يهدم ولا يسب ولا يشتم. فمهما قيل عن عبدالناصر من خير وشر، فهو في النهاية بشر متقلّب فيما يعتري النفس البشرية من ضعفٍ وقوة وفي موضع يجعل الإنسان يعيد البصر ليس كرّتين بل مئات الكرّات، لأن ناصر وأمثاله كانوا في موضع القيادة، ذلك الموضع الحساس الذي يجعل من الفرد حريصاً على كل قرار يصدره أو تصرّف يقوم به. جمال عبدالناصر لم يمثّل مجرد شخص تولّى قيادة بلد بحجم مصر حيناً من الدهر، بل كان رمزاً لأمة فقدت الرموز في ذلك العصر - كما هو الحال في هذا العصر أيضاً - فكانت تلك الأمة تتلمس شخصاً قائداً يقود الطريق في وسط لجات الانتهازية والإقطاعيات والتآمر الداخلي والخارجي ضد الأمة، فكانت مشيئة الله أن جاء شخص مثل عبدالناصر. أنا لا أقول إنه مبعوث إلهي ولا أؤمن بنظرية الحق الإلهي والاصطفاء باستثناء الأنبياء - عليهم السلام- لكن هذه الأمة ولّادة وفي كل عصر سيظهر قائد عظيم تسير الأمة وراءه. لقد مرّت على مصر حوادث عظيمة في زمان عبدالناصر من ثورة 52 وحتى مبادرة روجرز مروراً بالعدوان الثلاثي عام 1956م والوحدة المصرية السورية عام 1958م وانتكاستها عام 1961م والنكسة عام 1967م وحرب الاستنزاف التي بدأت بعد شهر واحد من النكسة. كل هذه الأحداث بين انكسار وانتصار، كان القائد شامخاً وحاملاً لهمّ الأمة على نحو خلّد اسمه في سجلّات القادة المعدودين انحازوا إلى الجماهير وكانوا معها لأنه جاء من بيئة الفلاحين في أقاصي الصعيد، فلم يولد وفي فمه ملعقة ذهب، بل جاء من بين الكد والتعب ومن عشق الأرض وغرسها. إن القرارات التي أمّمت المصانع والمزارع في مصر كانت صفعة للإقطاع الذي أنشب أظافره في صدر مصر وامتص ثرواتها طيلة تلك العقود. إلى الذين ينتقدون سياسة عبدالناصر أقول لهم: إن الرجل اجتهد فأخطأ أو أصاب، لكنه جعل للأمة العربية اسماً معروفاً وثقلاً لم يستطع أحد أن يصل بها إلى المكانة التي كانت في عهده وكفى. رحم الله جمال عبدالناصر. و أخيراً: أبا خالدٍ.. يا قصيدةَ شعرٍ.. تُقالُ فيخضرُّ منها المدادْ.. إلى أينَ؟ يا فارسَ الحُلمِ تمضي.. وما الشوطُ، حينَ يموتُ الجوادْ؟ إلى أينَ؟ كلُّ الأساطيرِ ماتتْ.. بموتكَ.. وانتحرتْ شهرزادْ « نزار قباني - من قصيدة جمال عبدالناصر»