أستعمل عقلي في إثبات حاجتي الملحة إلى اليأس من كل شيء، لطالما ندمت على ثقتي العميقة بكل ما حولي، حتى الأحداث المتواترة على الصعيد السياسي لم تعد تحفزني على القفز فوق ألغام الحقيقة وصناعة صورة لما يجري على مقاس شهيتي، شهيتي التي غدوت أفتقدها حتى وأنا جاثم فوق بطني بانتظار موعد الغداء. قبل أن أكمل الاستماع إلى رواية شبه دقيقة عن الحدث في ميدان التحرير، جريمة بحجم الغصة، كنت أبحث في الجانب العقدي لتنظيم أنصار الشريعة عن الموقف من معاوية وعلي ومعاركهما القديمة، في محاولة لإيجاد مبرر لحالة التباين الشامل مع الخصوم. لا أعرف كم من اليمنيين سيموتون في الحرب القادمة، الحرب المتدثرة بثأرات صدر الإسلام، المشهد العراقي ماثل أمامي كغصة عميقة من الصعب تجاوزها، كومة الجثث وحرائق الأحزمة الناسفة تمقع وجه المستقبل الجميل الذي رسمته في روحي، وصور الورد تتناثر على رؤوس الأطفال من سماء الله المحتفية معنا..لا شيء في السماء الآن سوى الدخان المنبعث من أرض توشك أن تسقط في حرب لا ترحم، ولا تستثني الأطفال والنساء والعجائز. وحيد على شرفة الليل أحتسي اليأس، وكوب قهوة مطعم بلون الدم ورائحة البارود، وأضحك من أعماقي الحزينة على ساسة أوصلونا إلى مستنقع الخرائب، ثم لحقو بنا إلى جروبات واتساب لمشاركتنا المراثي، كما لو كانوا أطفالاً أبرياء، قدموا للمشاركة في مهرجان الحزن الكبير دون أن يطلب منهم أحد الإتيان. إنهم هنا يبكون، في الحقيقة هم يتباكون للهروب من عقدة الضمير التي تلاحقهم إلى كل مدينة وكل شارع وكل جحر وكل جروب، وتضعهم في صورة الحقيقة التي يتحاشون مصادفتها: أنتم من حمل أعواد الثقاب الأولى وأشعل كل هذه الحرائق !.. أعترف أن جحيم المشهد الطائفي يخيفنا ، وأننا لفرط مخاوفنا نزحنا تاركين وراءنا وطناً يحترق، واخترنا لأنفسنا مقاعد افتراضية في واتساب لا تقي أخبار النيران المتصاعدة وحمم اللهب. لكن مانفعل؛ فقد قدر لنا أن نقضي أعمارنا كنازحين، حتى في السابق لم نكن في الحقيقة نشعر بدفء الوطن، وكانت لازمة الأمل الشهيد للتو، هي ما يبرر حضورنا المضيء على بؤسه وهامشيته. وحيد على شرفة الليل أتطلع في صخب العوالم، وأرثي وطناً يترقب بهلع حالة التمدد الرهيب لصخب حرائقه، كما لو أنه وجد على ظهر هذا الكوكب ليعيش في زحمة الحرائق. وطن حتى اللحظة التي أظن فيها أنه ظفر بلازمة الحلم، تحولت في ظرف قدر غرائبي إلى محطة لاشتعالات أنكى، تحمل نكهة الدين وروح الثأرات القديمة!. [email protected]