عبر تاريخ الإِنسَانية الممتد لم يظهر الحكماء في أي بلد يشهد الصراعات إلاّ وهم ملمّون ومدركون لمكامن الإشكال في البلد والذي يتيح لهم إيجاد الحلول عبر أفعال وأقوال إنسانية.. أفعال تترك أثراً إيجابياً في الإِنسَانية وأقوال تمتد إِلَى ما لا نهاية. المهاتما غاندي لم ينطلق في فلسفته الإِنسَانية الداعية إِلَى محاربة الانجليز بسلاح الملح إلاّ من فهمه العميق للبّ المشكلة الهندية والمتمثلة في السيطرة الانجليزية الكاملة على الهند..لم يكن العنف حكمة المهاتما غاندي، من منطلق أن الحكمة لا تتخاطب بالمدفعية والرشاش بل تتخاطب بلغة الانسان.. كان يدرك جيداً أن الانجليز المسلّحين بالمقذوفات والطائرات الحارقة سيبيدون حرث ونسل الهنود العزّل، إلا من سلاح الصبر والمروحة.. كان يخاطب روحهم الإِنسَانية علّ تلك الروح تردع رغبتهم الشديدة في إحراق الهند في حال تمرّدت على سلطتهم. بخروج الانجليز من الهند بات المهاتما أسطورة كونية.. ورجلاً له مكانة شعبية لا تُضاهى.. واندلعت مشكلات جديدة في الهند لكنّها داخلية.. صراعات تنشب بين المسلمين والسيخ.. عاد المهاتما إِلَى المشهد بعد صمت دام لسنوات محملاً – كعادة الحكماء العظام- بحكمته الإِنسَانية..عاد مدركاً وبعمق للبّ المشكلة الهندية..وبها انطلق بالهند إِلَى عهد جديد لا نراه حالياً سوى في صناعاتها الكبيرة والصغيرة على السواء! *** في اليمن المشكلة عويصة للغاية، فليس ثمة احتلالاً ترك آثاراً سلبية، وليس ثمة تعدداً دينياً، وليس حَتَّى وقت قريب صراعات كالحاصلة الآن، وبالمقابل ليس ثمة مهاتما! الإجابة حول سؤال عدمية وجود جوهر الإِنسَانية الحكيمة أمام حضور “المظاهر الشكلية للإنسانية المسلّحة بالمقذوفات” في بلد “الحكمة” لا يبدو عويصاً، لأن أي بلد يُطلق عليه في العادة بلداً مثل “الحكمة” إنّما هو يشير إِلَى نقيضه.. هل أُطلق يوماً على الهند بأنّها بلد “الحكمة”..لا..لأنها وببساطة شديدة لم تكن كما الأعراب لا تسمّي الأشياء سوى بأضدادها.. سعيد في تسمية الأعراب «الضدي» يعني «الكسول» و«حكيم» في نفس تلك التسمية تعني «غبي»، لكن في تسمية الهند «الكسول» يعني كسولاً، و«الحكيم» يعني الحكيم.. أهلاً بكم في بلاد «الحكمة» اليمن.. أهلاً بكم في «السعيدة». [email protected]