المسمى الذي أعطوه للاتفاق الأخير «اتفاق السلم والشراكة» حمل دلالة واضحة على أن المستقبل لن يحلّق بغير جناحين: إحلال السلام محل العنف والفوضى, وإحلال الشراكة السياسية محل حكم الطرف الواحد أو الجهة الواحدة, وهذا يعني أنه اتفاق لابد أن يتمثل في بنيته وروحه معنى المصالحة الوطنية, وأن تقف حملات القوى السياسية ضد بعضها, وأن يتعاضد السلم والشراكة لتكوين دولة تتلمس هموم الناس ومتطلبات التنمية بعد سنوات من الجمود والضياع, وبدون ذلك سيظل هذا الشعب الصابر مطحونًا بحروب متعددة وصراعات ستتوغل في استدعاء الخلفيات المذهبية والطائفية, وهذا نفق مظلم لم يخرج منه العراقيون ولا السوريون حتى الآن, فلماذا نحن نعتزم الدخول؟ لننتظر على الأقل حتى يخرج الأولون. يكفي ما قد عاش الوطن من أزمات, وحان الوقت لأن تمنحوا الناس بضع سنوات يأمنون فيها على أنفسهم, فعندنا من النازحين والمنكوبين ما لا يقبله عاقل.. وعندنا من الأحقاد والأضغان و«قهر الرجال» ما تنهدّ منه الجبال. المطلوب الآن أن تهيئ الدولة نفسها للعودة, لممارسة مهامها بوصفها دولة, وأن تساعدها في ذلك كل القوى السياسية التي أدركت مؤخراً أن وجود الدولة أمر ضروري لاستئناف الحياة, بل سيساعدها في ذلك المواطن الذي اشتاق كثيراً لرائحة الدولة. أما حروب الهيمنة والإخضاع فإنها ليست حلاً, وإنما هي باب لتغذية الصراعات وتسمينها, وعلى كل النخب السياسية التي أصيبت بالإعياء، واختلط لديها الحابل بالنابل أن تضغط باتجاه إيقاف صوت الرصاص والمدافع في هذا البلد. أنا شخصياً أرى كل شيء يواصل سيره في هذا الوطن, إلا ملف المصالحة الوطنية الحقيقية, ربما لأن هناك من يستكثره على اليمنيين, ويريدهم أن يظلوا بين منتصر ومهزوم, كلاهما يبحث عن وصفات للعلاج, فالمنتصر يبحث عن طريق للحفاظ على انتصاره, والمهزوم يبحث عن طريقة لطرد الهزيمة, وسيظل البحث جارياً. الدولة اليوم مدعوةٌ إلى أن تثبت للمواطن أنها تستطيع عمل شيء من أجله.. نريد المواقف التي لا تكتفي بطرح تطلعات وهموم, وإنما خطوات تنفيذية تصل بنا إلى إخراج هذا الوطن مما هو فيه. الإنسان اليمني اليوم مشتت ذهنيًا, يشرد كثيرًا, يحاول تفسير كل ما يعيشه من أزمات وصراعات فلا يصل إلا إلى نتائج متضاربة.. وهو الآن يتناسى حقه في الماء والكهرباء والتعليم, منشغلاً بحقه أن يعيش آمنًا في وطن مستقر لا يسمع فيه ولا يشاهد أخبار الذي يسقطون كل يوم. لذلك عشمنا أن تكون السياسة في بلادنا ذات فاعلية تستطيع أن توقف ما يحدث اليوم من صراعات وقودها أحلام اليمنيين وأمنهم واستقرارهم ومستقبلهم. [email protected]