يبدو لي الحال كأن رغبة المجتمع الدولي في استقرار اليمن أصبحت مؤجلة, وأن الدول الكبرى في حقيقة الأمر ليست بذلك الخوف الذي كنا نعتقد أنه يسكنها حين نسمعها تؤكد ضرورة تحقيق أمن اليمن واستقراره؛ لأن في تحقيق ذلك ضماناً لأمن المنطقة والعالم وأمان مصالحهما. نحن اليمنيين ننقاد اليوم إلى الحرب.. وتُثار فينا كثير من النعرات والأحقاد الكفيلة بإدخالنا في عقود مظلمة لا صوت يعلو فيها على صوت القوة.. وفي ظل الحرب يضعف صوت القوى المدنية من أبناء الوطن بين لعلعة المدافع وأصوات انفجارات المنشآت المدمرة.. أما المجتمع الدولي فليس بوسعه سوى أن يبدو مصاباً بالإعياء والصداع كموظف تراكمت أمامه المهام فأسلم نفسه لأقراص مسكّنات الألم. وقد علّمتنا الأيام, لا سيما في السنوات الأخيرة, أن الحروب الأهلية متى تريد أن تفرض نفسها فإنها تنجح في ذلك ولو قال ذلك العالَم الرابض تحت قبة مجلس الأمن: لا للحرب, نعم للسلام. السلام لا يصنعه سوى الشعوب, فهي وحدها من تستطيع أن توقف آلة القتل إذا وعت أن الحرب لا تجني غير الخراب, ولا تصنع إلا الهزيمة للخاسر فيها وللمنتصر على السواء, وهذا أمر طبيعي حين تتجرّد القوة من القيمة الإنسانية, ويغرق الإنسان في حيوانيته, ويصبح المتقاتلون وحوشاً تأكل بعضها, وإن كانت هذه الوحوش في حقيقة الأمر نوعين, وحش هو المعتدي, ووحش جرى الاعتداء عليه. ها هي حروب العرب البينية تتمدّد على مساحات كثيرة, وأمامها يقف الميراث الحقوقي والإنساني الدولي مهيض الجناح, فتبقى الشعوب تأكل نفسها, ولا ينقذها من الهلاك إلا نفسها.. لا يوقفها ذلك الذي يرسم لها مسارات الحرب والهيمنة, ويعد لها الخطط والمصائد, وإنما يوقفها ذلك الذي يضغط على الزناد, إذا استيقظ بقايا الإنسان في داخله. هذا فهمٌ ينبغي أن يقر في عقول اليمنيين اليوم, لا سيما أولئك المفتونون بالحرب.. الذين يتوّهمون أن أرزاقهم لا وجود لها إلا تحت ظل بنادقهم.. ينبغي لهم أن يخففوا من ضربات أقدامهم على هذه الأرض, فترابها هو أجساد الآباء والأجداد الذين عركتهم الحروب عرك الرحى, ومزّقتهم كل ممزق, وزرعت فيهم جينات الكراهية التي تتوارثها الأصلاب إلى عشرات وربما مئات الأجيال القادمة, ورحم الله شيخ المعرّة فقد قال: صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْ بَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ ال أرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ المهم أن على اليمنيين أن يتذكّروا أن أمنهم واستقرارهم صناعة محلية.. وحين ينفرط عقد الحلول من يد المجتمع الدولي يبقى الخاسر الوحيد هو الشعب المغلوب على أمره.. أما الدول الكبرى فإن لها برامجها التي تتكيّف مع أوضاع الحرب والسلام. [email protected]