أدهشني ما سمعته قبل عدة أسابيع من اقتصادي يمني كبير يقول: إن المطالبة بتعديل الاتفاقية مع شركة «توتال» النفطية ستُعرِّض اليمن للاحتلال الفرنسي .. فقد أدركت حينها أن الرجل, وغيره كثير من النخب, أسرى لثقافة التصاغر والتقزُّم العربي المتقادم أمام أي حق لا بد للشعوب الفقيرة من أن تطالب به مهما كان حجم التضحيات. الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية ليست نصوصاً مقدسة, فالأمور تخضع لجملة مصالح من حق أي طرف شعر بالهضم أن يخوض مفاوضات تطالب بالتعديل, وما تحتاجه هذه المفاوضات هو وجود المسؤول الجريء الذي يؤمن بحقوق الشعب وأهمية الإقدام على ما فيه مصلحة عليا.. وبالإرادة نصل إلى ما نريد في إطار من الوئام مع الطرف الآخر, والتأكيد على استمرارية الشراكة مع الدول الكبرى وشركاتها العاملة في اليمن بما يحقق النفع لجميع الأطراف المتشاركة. أما أن نستمر في تكريس منطق التخويف والتضخيم وتسويق خطورة فتح الأفواه في حضرة هذه الشركات؛ فهذا منطق عقيم ينبغي أن يتجاوزه كل من هو أسير له, فإذا كان هناك من قد رضع حليب التقزم, فعلى الأقل علّموا الأجيال الجديدة كيف تخرج من هذا التقزم في المستقبل.. أما إذا كنتم تريدوننا أن نظل أسرى لهذا التهويل غير المبرر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, فعلى الدنيا السلام. اليوم نحن بحاجة إلى مواقف وسطية إيجابية من كل القضايا التي تهم اليمنيين في إطار علاقتهم مع المحيط الإقليمي والدولي.. مواقف لا تتقزم ولا تتعملق؛ لأن التصاغر ليس حلاً, والتهور ليس حلاً كذلك.. فما أروع الوسطية التي تنبئ عن سير متزن, وتعامل شفاف, يرسِّخ أقدامنا التنموية ويثمر حفاظاً مؤكَّداً على أمننا واستقرارنا, بما يقود إلى الحفاظ على أمن المنطقة كلها. إذا أدركنا ذلك سنعرف أن قيادتنا السياسية اليوم بدأبها على المراجعات وإصلاح الخلل تؤكد أنها تسير في خط واضح, وأنها تُقدِم على ما فيه تعزيز لكينونة الإنسان اليمني وحقه في توسيع حجم موارده لمواجهة متطلبات المستقبل الاتحادي, في ظل دعم ومؤازرة خليجية إقليمية دولية, وسيتحقق النجاح بإذن الله. [email protected]