في بداية الأمر قامت حركة احتجاجات شملت كل المناطق اليمنية بحثًا عن وضع سياسي جديد ودماء جديدة تضع حدًا لحالة التدهور السياسي والكساح الاقتصادي .. ثم جاءت المبادرة الخليجية؛ لتؤكد ضرورة التسوية السياسية للأزمة المحتدمة بين طرفي النزاع في اليمن, وفي إطار هذا الحرص جرى رسم منهج للانتقال يتضمن تهيئة الأجواء للوصول باليمن إلى عقد اجتماعي جديد ينقلنا فعليًا إلى مرحلة جديدة, وكان من المقتضيات الأساسية للتهيئة أن يدخل اليمنيون في حوار وطني شامل يعالجون فيه كل مشكلاتهم وأن يستمعوا لبعضهم ويتصالحوا للانتقال نحو المستقبل بثقة وهدوء, فكان لابد من إيجاد مساحة كافية لمناقشة مطالب الفصائل الحراكية في المحافظات الجنوبية ومطالب أبناء صعدة وجماعة الحوثي وغير ذلك من ملفات الوجع والاحتقان, مع ضرورة اتخاذ النظام الانتقالي خطوات جادة لجبر ضرر كل أبناء الوطن الذين وقع عليهم الظلم في الماضي سواء بالحروب أو بنهب الحقوق أو بالإقصاء, وهي خطوات من شأنها أن تعيد بناء الثقة بين مختلف القوى السياسية, وتؤسّس لمستقبل واضح وشفّاف, ومن المعروف أن حكومة الوفاق ماضية في تنفيذ هذه الخطوات المتمثلة بالنقاط ال31. ومن كل هذا يتضح أن المبادرة الخليجية قدمت رؤية واضحة لا لبس فيها ولا غموض, لأن المشكلة التي جاءت في سياقها واضحة المعالم ولها حالات مشابهة في دول أخرى اندلعت فيها أحداث ما يسمى (الربيع العربي), وعليه جاءت خارطة الحل في هذه المبادرة واضحة أيضًا, فقد حملت مشروع تسوية بين طرف يحكم وطرف خرج محتجًا لإسقاطه, ثم سار الجميع في سياق هذا الحل الذي تقوده. وحين أقول اليوم: إن المبادرة الخليجية قدمت رؤية واضحة لا مجال اليوم للانحراف عنها, فإنني أقصد أن هذه المبادرة أعذرت نفسها وأكسبت نفسها مشروعية التدخل بين المتخاصمين حين أكدت أنها وضعت حلولها على أساس الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره, وهذا يعني أن أيّ تهديد لوحدة اليمن وأمنه واستقراره من أيّ طرف كان لا ينبغي أن يكون له قبول في مقررات الحلول, لأنه بالضرورة لن يكون له قبول عند اليمنيين وإن وجدت بعض الأصوات التي تهلل للشرذمة الجديدة وتصفّق لها.. وقد ازداد اليمنيون طمأنينة حين أدركوا أن إرادة المجتمع الدولي لا تقبل اليوم بغير يمن موحد ومستقر, بغض النظر عن كون هذا الإلحاح على الوحدة حبًا في اليمنيين أو حبًا في الحفاظ على مصالحهم في بر المنطقة وبحرها أو حبًا في كليهما معًا, فالمهم أن قراري مجلس الأمن 2014 و2051 نصّا على حتمية الحفاظ على وحدة التراب اليمني, وبالتالي أصبح هذا النص شرطًا أمميًا لأي صيغة مستقبلية يجري الاتفاق عليها في اليمن, وليس جديدًا إذا قلت: إن قيادتنا السياسية تدير المرحلة على هذا الأساس ليس لمجرد الاستجابة لهذه الإرادة الدولية, وإنما انطلاقًا من ضميرها الوطني وإحساسها القومي وإيمانها بمسؤوليتها التاريخية, ولهذا وجدنا رئيس الجمهورية الأخ/عبد ربه منصور هادي يؤكد في أكثر من مرة بأن وحدة اليمنيين خط أحمر, وأن ثمن الحفاظ عليها حياته. بعد هذا العرض دعوني أختصر الطريق لأقول: إن وحدة اليمنيين اليوم على المحك, بعد أن تبيّن أن هناك مقررات متسرعة قد تصوّر ثورة 2011 الشبابية ومساحة الحوار التي أوجدتها على أنهما جاءا ليفصل شطرًا من اليمن عن الشطر الآخر, وليس لرأب الصدع الوطني وقيام دولة مدنية يتقاسم فيها اليمنيون الثروة والسلطة على أسس عادلة وتحت إرادة شعبية واحدة. طبعًا لا يخفى على أحد أن مسألة التوزيع العادل للثروة والسلطة يمكن أن تتم بأي صيغة وحدوية مادام هناك نوايا حسنة .. فالمرحلة ليست من الهدوء بمكان, والوضع الإقليمي من حولنا ملتهب.. وكل اليمنيين اليوم أمام مسؤولية إيجاد الدولة أولاً, فإذا وجدت ورسخت أقدام الديمقراطية في اليمن فبعدها يمكن لأي حالة من حالات الفيدرالية المحضة أن تتم ..لكن يبدو أن هناك من لا يريد النظر إلى هذا الواقع .. يريدون فيدرالية ناجزة تتفكك فيها الإرادة الشعبية وسلطتها التشريعية على السواء .. لماذا لا نجرّب فيدرالية بسيطة تقوم على نظام الأقاليم في ظل حكم محلي كامل الصلاحيات, وفي الوقت نفسه نحفظ لهذا الشعب وحدته وأمنه واستقراره؟. تذكّروا أن الشباب في المحافظات الشمالية والجنوبية والشرقية ما ثاروا لكي يتشرذم الوطن وتتناقض الهموم والطموحات, وإنما ثاروا من أجل الحفاظ على الوطن موحدًا في ظل نظام عادل يحفظ للجميع حقوقهم. وأنا أثق أن قيادتنا السياسية تعي حساسية الظروف وطبيعة المرحلة, وستدعم المخرجات التوافقية الأكثر نضجًا ، حفاظًا على وحدة اليمنيين أرضًا وشعبًا وإرادة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك