«ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً، إنك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفّاراً» من أين أبدأ وإلى أين ينتهي بي المطاف..؟! نتغنّى كل يوم بالحاضر والمستقبل وأن الأمور قد سارت على نهج غير مقبول، فسُلب منا الأمل واستحوذت أفكار على عقولنا، فلم تدع مجالاً للصدق مع أنفسنا وقدراتنا، لم نتوصل إلى قناعة بعمل حل لمشاكلنا اليومية، رحل الصدق منذ زمن غير معروف وولّى هارباً مصطحباً معه الأمانة. أصبح الحب فريق لعبة تلعبها المشاعر وتحرسها الخيانة، ابتسامة قتلها حال مزرٍ، الكذب صيحات وموضات، الموت يتجوّل في كل مكان ويبتسم الحزن بخبث عميق محقّقاً أهدافه وأطماعه في أعماق قلوبنا..إذن عن ماذا نبحث؛ هل أبحث عن أمل، هل أتطلّع إلى الأمل، إلى متى سنظل نتغنّى باليُسر وننشد الفرج، نتطلّع إلى حياة بدأت بالشقاء وولدت من رحم الحزن وتربّت على اليأس والشقاء، رضعت من ثدي الشقاوة؛ عن ماذا نبحث..؟!. أيها الإنسان؛ لقد بدأت حياتك بصرخات ودموع، فهل ستحصد السعادة من بذور أسقيتها بدموعك..؟! لقد خُلقنا لنشقى، نتألّم ونبكي ثم نموت، وما أصعب الموت ونحن أحياء، تموت قلوبنا لتحيا عقولنا، حياتنا تعيسة ولا تعلمنا سوى التشاؤم، لا شيء يتحقّق بالأحلام ولا الأمنيات..سيبقى النحس والكدر والضيق ملازماً لنا في كل دروب حياتنا لنثق به رفيق الدرب في هذه الحياة، إلى متى ستظل هذه الظلمات لنعيش في عالم النور والمسرّات، إلى متى سنظل منتظرين هذه الفرصة بعد أن تموت مشاعرنا وتُدفن أحساسينا في مقبرة اليأس..؟!. إذن لم يتحقّق مبدأ العدالة في هذه الحياة، أحلام النهار وكوابيس الليل وهذيان الجدران، ستظل العيون المنفتحة على المشرق تغوص في أعماق خيالها لتغرب مع الشمس وتشرق من جديد ولكن بلا جديد. .تبدّلت الحياة وتغيّرت الموازين، ففي حين لايزال الإسلام حيّاً، وسيظل حيّاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن أين نجده؛ في المسجد، في الطريق، في العمل، في قلوب بعض الناس..؟! ربما لا أظن ذلك، فقد تغيّر دور المسجد إلى مكان للدعاية الانتخابية وبإشراف بعض علماء الدفع المسبق، انتخابات تنافسية تطمح للاستحواذ على حقوق الضعفاء فقط لا غير، وحتى الطريق إلى المسجد لم يعد آمناً، والعمل لم يعد كافياً لمتطلبات العيش. ولم يعد التقوى ميزاناً للتفاضل بين الناس، فماذا نعمل، من سيساعدنا على بناء ركن من أركان الإسلام، ولو كانت الرحال تُشد إلى المسجد الأقصى لأتيناه ولو حبواً؛ لكن “لو” تفتح عمل الشيطان، إذن لو تمعّنا قليلاً لوجدنا أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال وهو الباقي حتى قيام الساعة، وهناك مساكن معدودة نلمس وجود الإسلام ديناً ودنيا، وهي قلوب بعض الفقراء المعتدلين، ونجده أيضاً في قلوب بعض أناس وهبوا حياتهم لله فلا يهمّهم دنيا، يصلّون ويصومون ولا يحملون مثقال ذرة من حسد أو بغض أو مقت لأحد يتمنّون الخير لكل الناس ولا يخافون في الله لومة لائم، يتطلّعون إلى أن يكونوا أغنياء لكنهم سرعان ما يردّدون: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء». وهكذا أصبحتُ لا أفرّق بين الليل والنهار؛ فكلاهما ظلام، صمت وأنين وكلام، أصبحت لا أفرّق بين الحزن والفرح فكلاهما مشاعر فتّاكة تفتك بالإنسان فتميت قلبه وتدعه يعيش بلا إحساس، أتغنّى بالحب وأظل أقرب الطرق إليه {ربنا لا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}. نعود إلى نقطة البداية لنقول: إذا اشتد الظلام، فهذا دليل على اقتراب الفجر، كم من المرات تظلم علينا الدنيا فنظن أنها النهاية، ثم بعد ذلك تضيء الدنيا بالأنوار ونشعر أنها البداية، يجب ألا نخاف من الغد بل نحبّه ونترقّبه وننتظره ولا نستسلم للمشاكل العابرة؛ فهي لا تكبر مع الزمن بل تصغر ثم تذوب، إذن مازلنا منتظرين ولن نستسلم. [email protected]