ما زالت جرائم الاغتيالات ليس في تعز وحسب وإنما في الكثير من المحافظات هي العنوان الأبرز لهذه المرحلة، ولم تستطع معها الأجهزة الأمنية وضع حد لها أو التقليل منها. هذه الجرائم لا تستهدف القيادات العسكرية والأمنية وإنما طالت القيادات الحزبية والإعلامية والمدنية أيضاً، وأصبحت تشكّل هاجساً يؤرّق أبناء المجتمع جميعاً في ظل تنوع الوسائل المستخدمة في تنفيذ هذه الجرائم وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على تتبّع وملاحقة وضبط منفذي تلك الجرائم. نُفذت المئات من جرائم الاغتيالات في العديد من المحافظات اليمنية، وفي المقدمة منها أمانة العاصمة التي شهدت تنفيذ الكثير منها لتكشف الخلل الأمني الفادح الذي تُعاني منه الأجهزة الأمنية. قبل ثلاثة أسابيع اغتيل الدكتور محمد عبدالملك المتوكل وكنا نتوقع أن هذه الجريمة التي طالت هذه الشخصية السياسية والأكاديمية البارزة ستدفع الأجهزة الأمنية إلى إعلان حالة من الاستنفار ولم تمضِ أيام حتى يتم القبض على قاتليه، خصوصاً بعد قرار تشكيل لجنة عليا للتحقيق وضبط القتلة، إلا أنه لم يحدث شيء حتى اللحظة، ولا يبدو أن لجنة التحقيق قد توصّلت إلى أية معلومات عن هوية القتلة لتضاف جريمة اغتيال المتوكل إلى سابقاتها من الجرائم التي تم تشكيل لجان تحقيق للكشف عن ملابساتها ومن يقف وراءها وتم نسيانها أو بعبارة أصح لم يتم إعلان أية نتائج حولها. في الأسبوع الماضي كانت تعز على موعد مع جريمة اغتيال جديدة طالت هذه المرة القيادي في حزب التجمّع اليمني للإصلاح صادق منصور الحيدري. جريمة اغتيال الحيدري كشفت عن تطوّر نوعي في الوسائل المستخدمة لعملية الاغتيالات، حيث تم تنفيذها بعبوة ناسفة أُلصقت في الباب الأمامي لسيارته وبشكل مغاير عن الجرائم السابقة التي نُفذت عبر إطلاق الرصاص الحي من فوق الدراجات النارية. هذه الجريمة التي استهدفت القيادي الحيدري المعروف باعتداله وسلميته قد تفتح المجال لتنفيذ جرائم مشابهة في حال عجزت الأجهزة الأمنية عن كشف خيوط الجريمة وهوية منفذيها. قد لا يكون الهدف اغتيال شخص الحيدري وإنما اغتيال أمن واستقرار مدينة تعز التي شهدت خلال الفترة الأخيرة حالة ملحوظة من الاستقرار إضافة إلى نسف الاتفاق الذي توافقت عليه القوى السياسية في المحافظة لتجنيب تعز الانزلاق نحو العنف والصراع. لا نريد أن تنتهي جرائم الاغتيالات عند تشكيل لجان التحقيق فيها وعلى الأجهزة الأمنية أن تتجه وتعمل بكل جدية لكشف كل المتورّطين في هذه الجرائم، حتى يستعيد المواطن ثقته بهذه الأجهزة ويشعر بحالة من السكينة والطمأنينة، وحتى لا يتخذ أولياء دم شهداء الاغتيالات عدم الكشف عن القتلة مبرّراً للانتقام والثأر ممن يعتقدون أن لهم يداً في تلك الجرائم. كثرت جرائم الاغتيالات ولا يبدو أنها ستتوقف في ظل هذا الوضع الأمني غير المستقر، وهو ما يحتّم على حكومة بحاح إيلاء هذا الملف أهمية قصوى، ووضع آلية متطوّرة لعمل الأجهزة الأمنية تمكّنها من إنهاء كل الاختلالات الأمنية التي أضرّت كثيراً باليمنيين. [email protected]