يُصادف يوم العاشر من أيام شهرنا الحالي من شهر ديسمبر أربعينية وفاة الأخ العزيز رحمة الله عليه، محمد سلام سعيد الشرجبي الذي وافاه الأجل إثر حالة مفاجئة مرضية لم تتجاوز اليومين انتقل على إثرها إلى جوار المولى العلي القدير.. وهكذا عزيزي القارئ تلاحظ إننا خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة قد فقدنا العديد، بل العشرات من أحبائنا وأصدقائنا، ورجّالات بلادنا الأفذاذ من زعامات وطنية، وقادة عسكريين وأدباء وشعراء وتجّار، وطلّاب علم، ومن شتى المستويات المختلفة، والنساء والرجال على حد سواء. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فهل يا تُرى سيُسدل الستار عن آخر فصل من فصول هذا الزمن الرديء بمناسبة قدوم العام الميلادي الجديد، أم سيتمادى بخطف ما شاء له من خيرة رجالنا الذين خسرناهم بهذا الزمن؟. إنني آمل من كل قلبي وجوارحي، كما يأمل ويرجو كل أبناء شعبنا في أن يكون هذا آخر الفصول المأساوية لبلادنا وشعبنا، وبحيث يأتي العام المقبل ليكون فاتحة مرحلة جديدة، مشرقة وآمنة تنأى ببلادنا وشعبنا عن كل الويلات والعثرات والمعيقات لعجلة التقدم والتطور والسلام والأمن.. أما عن المتوفى الذي استهليت به سطوري الأولى من هذا الموضوع، فماذا عساني أن أقول بشأنه وحياته الحافلة بذلك الكم الهائل من الأثقال والصعاب التي عاناها طيلة حياته المنصرمة؟، وبالمختصر المفيد فإنني أقول إنه قد كان واحداً من جيل خمسينيات القرن المنصرم الذين أخذت تتقاذفهم أمواج البؤس والفاقة، وظلم حكّام الشمال آنذاك من بلد إلى آخر حتى أن بعضهم قد وصل إلى خارج الوطن ليحارب في جيوش أجنبية لا عن قناعة أو اعتقاد، وإنما طمعاً في لقمة العيش.. إلا أن المرحوم قد استقر به المقام في الشطر الجنوبي سابقاً من الوطن، حيث كان والده يعمل في إحدى شركات الشحن والتفريغ للبواخر، ولسوء حظّه إن والده في تلك الفترة كان قد تعرّض لحادث مؤسف، حيث هوت على جسده إحدى رافعات البضائع فكسرت له اليد اليمنى وجزءاً من رجله اليسرى؟. فتوصّى به خاله لفترة من الزمن، حتى اكتسب الصبي خبرة مهنة خاله الذي كان يعمل طاهياً في إحدى الاستراحات الخاصة بقواعد الجيش البريطاني، ومن ثمة استطاع بفطرته النقية ونظرته الثاقبة وذكائه الحاد أن يتعلّم اللغة الانجليزية، بل ويواصل تعليم نفسه من خلال قراءاته المستمرة بعد أن كان قد درّسه والده بعض قصار السور من القرآن الكريم.، الأمر الذي مكّنه من الاستمرار في القراءة والمطالعة والاستماع إلى الراديو وبقيام ثورة 23 يوليو عام 1952م في مصر، فتحت آفاق جديدة أمام المواطن العربي بحكم استحداث المحطة الإذاعية لصوت العرب ووصول الصحف المصرية وغيرها إلى عدن كل تلك الظروف والأسباب التي لم تُعهد في حياة العرب من قبل هيأت الشعوب العربية لتنفض غبار التواكل والجهل وانبعاث المشاعر القومية والوطنية من رقادها لتطرق أبواب العلم والمعرفة والطموح لكل فرد بالثورة والتقدم.. إلا أنه عقب قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وعودته إلى شمال الوطن، اضطرته الظروف إلى الهجرة إلى المملكة العربية السعودية، ثم عاد بعد فترة وجيزة ليلتحق بشركة التبغ والكبريت وقبل سنوات من وفاته أُحيل إلى التقاعد، وعندما استقر في صنعاء في شركة التبغ استطاع مواصلة اهتماماته الثقافية والأدبية فالتحق باتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين، ثم أصدر مجموعته القصصية الرائعة (عندما تبكي الطبيعة) والتي قدّم لها القاص والأديب محمد عبدالوكيل جازم.. الرحمة والغفران له، والصبر والسلوان لولده العزيز شادي ولكافة بنات المرحوم وأسكنه فسيح جنّاته. وعودٌ على بدء، حيث سبق لي في سياق الموضوع وتعشمت في أن يكون قدوم العام الميلادي القادم فاتحة مرحلة جديدة ومشرقة لبلادنا تنأى بها عن كل الويلات والمصائب.. لا سيما وقد أخذت تلوح في أفق المناخ بوادر تفاؤل وارتياح بين طرفين بارزين من أطراف الصراع للوصول إلى صيغة تفاهم والتقاء لوقف أٍسباب ذلك التناحر والشقاق الذي لا مبرّر له إطلاقاً، خاصة وأن هناك أرضية مشتركة تجمع المتصارعين فالتلاقي والوفاق خطوة إيجابية وموفّقة بين فصائل ومكوّنات العمل السياسي في البلاد، شريطة التخلّي عن التمسّك والارتباط بأسباب ومكونات الميليشيات العسكرية والقبلية، وهذا يجب أن يسري على كافة المكونات التي ما تزال تحتفظ بالتجمعات العسكرية والميليشيات ووصولاً إلى بناء الدولة المدنية الحديثة وتنفيذاً لمخرجات وثيقة الحوار الوطني الذي أجمعت عليه كافة القوى والمكوّنات السياسية. والله الموفق.