تلكم المقاربة بين فساد جهاز الحكومة الروسية في عهد “يلتسن” و“شيرنوموردين” وفساد قادة القوات المسلّحة في اليمن سابقاً هو لتبيان الآتي: أولاً: إن روسيا الاتحادية هي دولة عظمى على رأس قائمة الدول المنتجة والمصدّرة لكل أنواع الأسلحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتمتلك ثروة على سطح الأرض وفي باطنها تؤهّلها لاحتلال المرتبة الأولى اقتصادياً في العالم، وهي لا تتلقّى مساعدات أو قروضاً الآن من دول أخرى، فقد وقّعت اتفاقيات تجارية مع تركيا الشهر الماضي نوفمبر 2014م بحوالي 100 مليار دولار، وإن المافيات الرسمية تاجرت بالأسلحة من المنتوج الروسي، وبذلك التصنيف فإن تجارة السلاح الروسي لم تمس مداخيل الفرد الروسي ولم تعمل على إفقار السكان بل هي أدّت فقط إلى إشكالات أخرى وبالتالي أعتبر الفساد ككائن عاش في الهامش الاقتصادي، وعاد الاقتصاد الروسي كاقتصاد كبير بعد مخاض عسير أنتج قيادة تعتز بمجد روسيا وتعمل بجدّية على استعادة دورها العالمي كقوة سياسية واقتصادية وأمّة عظمى. ثانياً: إن اليمن التي وقعت فريسة سُلطة تنفيذية سابقة معاقة ثقافياً هي منطقة أفقرتها الطُغم المتسوّلة، واقتصادها ضعيف النمو، وهي لا تنتج موادها الغذائية والدوائية وسلعها الضرورية الاستهلاكية والكمالية؛ بل كانت تعيش على المساعدات والقروض وغول الفساد يؤثّر على متوسط دخل الفرد؛ إذ أن ما يسمّى «القوات المسلّحة والأمن» سابقاً تستحوذ على مبالغ مهولة من الإيرادات العامة، وهذه المبالغ يذهب جزء كبير منها إلى قادة الفساد. وتلكم كانت إطلالة على محور لجنة الشؤون العسكرية والأمنية التي اصطنعتها الآلية التنفيذية المزمّنة، وهي اللجنة التي لم تقدّم تقارير مهنية منتظمة ومعلنة بحكم نشوئها بقرار سياسي مُعلن عبر الجريدة الرسمية ونشرته كافة وسائل الإعلام. ومن نافل القول الآن الاطلال على مسار “مؤتمر الحوار” بوصفه المحور الأهم في نظر قوى التحالف وصنّاع المبادرة، مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر، ومجلس الأمن الدولي الدول دائمة العضوية وأمانة الأممالمتحدة. ولهذه الوجبة أو هذا المستوى من تصاعد الأزمة السياسية بين علي عبدالله صالح وفريقه من الطُغمة المهيمنة وبين اللقاء المشترك لها خلفية مفاوضاتية انطلقت بعد الانتخابات النيابية المحسومة سلفاً والمزوّرة ميدانياً والتي أدّت إلى تقوية طُغمة علي عبدالله صالح تحت عنوان “الأغلبية الكاسحة والمُريحة وأدّت إلى ضعف تمثيل اللقاء المشترك، وهذا الاختلال في توازن القوى داخل البرلمان ومن ثم الاختلال في قوام الحكومة؛ قاد إلى الاستحواذ على نسبة عالية من التمويل للقوي المتسيّد والذي بدأ أكثر فأكثر لإقصاء الطرف الثاني الذي انتقل إلى مستوى أعلى في الخصومة ضد فريق علي عبدالله صالح الذي تحذلق وخدع مرجعيته المذهبية “33 سنة”. وما جرى داخل عُش دبابير السُلطة ليس حواراً وليس مفاوضات؛ بل يمكن توصيفه “كديالوجات” بين مصالح أقليات فرضت نفسها بفضل قوتها وغلبتها وأديرت هذه “الديالوجات” وفقاً لآلية النُخبة التقليدية التي كرّست كل وقتها لسحب القارب المتهالك اقتصادياً إلى الخلف. ويمكن القول إن هذه الديالوجات اتخذت المسارات التالية: أ المسار السياسي واللا سياسي الذي يفضي أو أفضى إلى مزيد من التأزُّم بين رموز الخصومة السياسية الطارئة والمتجمّدة عند الهبات المالية ومنح الامتيازات أو حينما تشير الأصابع الإقليمية التي في يدها مفاتيح الرواتب والمخصّصات المنتظمة إلى عملائها بالتوقف أو الاستمرار في إدارة دولاب الأزمة والأزمات المتتالية. ب المسار الإعلامي أو الحملات الإعلامية المرتبطة عضوياً بالخطاب السياسي غير المنضبط والذي يقوم على قاعدة الرئيس هو السيد المطلق والذي وصل إلى أعلى مستوى من الخواء الثقافي وخصومه الموظفون هم العبيد. رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر