كم هو هذا الوطن غالِ وعزيز، ولكن كم غدر به الأبناء وعقوه، بل طعنوه في مقتل بسيوف صدئة، وسنان رماح بالية، وكم تحّمل جراح السنين، وجراحات الأنين، تتنزّل عليه ركائم المحن والخطوب من كل حدب وصوب، لا يكاد يستريح برهة من كارثة أو محنة إلا تتكالب عليه الويلات والثبور من كل فج عميق. لك الله يا وطن الإباء والشمم، لك الله يا وطن المعالي والشيم، كم أنت صابراً على عقوق ذويك، على فسادهم وإفسادهم، بل على مكرهم وكيدهم؛ علمتنا كيف نناغي المحن والخطوب، ولا نأسى على زمن ولّى ولن يعود، وحاضر مؤلم مشحون بالمآسي والجراح، وبين هذا وذاك شطحات المتفيقهين الذين يزعمون حماية بيضة الإسلام والذود عنها، وهم غارقون في برك الآثام وبراثن الإجرام من نواصيهم حتى أخمص أقدامهم، زاعمين أنفسهم أنهم صفوة الخلق وعلية القوم وأياديهم مدنّسة بدماء الأبرياء والنساء..!!. يدغدغون عواطف البسطاء والدهماء من الناس والتأثير على مشاعرهم، واختراق وعيهم بتلك المفردات الجوفاء، والسلوكيات الزائفة التي تنبئ عن تخريف وتضليل، وهم بتلك الأعمال اللا أخلاقية يكشفون عن سوء نواياهم المبيّتة وحقدهم الدفين تجاه من يخالفهم فكراً ورؤى. لذلك تظل تلك التحدّيات حجر عثرة في طريق بناء الدولة المدنية الحديثة، فإن لم يعد للمؤسّسة الدفاعية والأمنية هيبتها ومكانتها المحورية في الحفاظ على السيادة الوطنية والقومية والسلم الاجتماعي، فإن البلاد ستدخل في نفق مظلم كالح السواد، مجهول النهاية. من هنا ينبغي بل يجب على القوى الوطنية الشريفة وعلى كافة المكوّنات النخبوية سياسياً وحزبياً وأكاديمياً واقتصادياً, وعلماء وأدباء ومثقفين أن يعوا دورهم الحقيقي والفاعل تجاه الوطن أرضاً وإنساناً, ووحدة وهويّة و انتماءً، وأن يضعوا حدّاً لمثل هذه السفسطائيات والغوغائيات التي باتت تشكّل خطورة للهويّة اليمنية وتشويهاً لملامح السيادة الوطنية وطمساً لأهداف الثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين. لذا علينا أن نعرّي تلك الأفكار المأزومة والمشاريع الضيّقة الذين سرقوا حلمنا الوطني وطموحنا النهضوي وآمالنا المستقبلية بشطحاتهم وتعاويذهم الظلامية؛ لذلك لابد من تماسك الجبهة الداخلية وتوحيد الصفوف وإجماع كافة القوى الوطنية الشريفة على «كلمة سواء» للخروج من دوامة الفوضوية والغوغائية وآثارها الماورائية في التصفيات الجسدية والاغتيالات السياسية ومصادرة الحريات العامة وحريّات الآخرين باسم القداسة الزائفة. من هنا ندرك الحقيقة الحاضرة الغائبة في زخم الأحداث والمستجدات الراهنة أن الواقع اليوم مشحون بالارتهانات الدغمائية المحنطة التي تصب جام غضبها وحقدها على معاداة الحداثة وتجلّياتها المعاصرة بكل صورها وأشكالها. ولكن مهما علا صوت الباطل؛ لابد له من لحظة سقوط مروِّع، فهل يا تُرى يفقه هؤلاء المتنطّعون المتشدّقون أن الماضي لن يعود، وأن عقارب الزمن لن ترجع إلى الوراء، أم مازالوا في غيّهم وضلالهم القديم..؟!. فدوام الحال ضرب من ضروب المحال، ولا يدوم إلا الحي القيوم.