متى أدركنا معنى الشغف، فلن يكون صعباً إدراك العطاء أو التسامح.. فالشغف حالة جسدية مادية، إنها خضوعك لسيطرة الجسد دون وعي للنتائج.. وتعني أنك لست سيد نفسك بل عبداً لانفعالك. بينما يعني التسامح حسب (أوشو) أنك تجاوزت حاجات الجسد وتخطيت كل الحواجز النفسية، يعني تحررك من عبودية الجسد، وأنك اصبحت سيد نفسك.. وأنك تتصرف بوعي دون خضوع لقوى أخرى تحدد قرارك.. وعندما تكون حر التصرف بكامل وعيك وإرادتك الحرة، حينها فقط يصبح بمقدورك تحويل الشغف إلى عطاء. الشغف شهوة، والعطاء حب.. الشغف رغبة، والعطاء انفتاح.. الشغف طمع، والعطاء مشاركة.. الشغف يدعوك لاستغلال الآخرين، والعطاء يجبرك على احترامهم.. الشغف يبقيك ملتصقاً بالأرض، يبقي قدميك غارقتين في الوحل، فلن تصبح زهرة لوتس، لا اليوم ولا غداً، فيما العطاء يجعلك هذه الزهرة، فيمنحك قوة النمو وتخطي طبقات التراب وتجاوز عالم الطمع والرغبات، عالم الأنانية والكره والغضب، والعطاء يمنحك تحولاً إنسانياً في مسار طاقتك. في الواقع أنت إنسان مقدس، ولكن الغضب يستهلك بعضاً من طاقتك، وكذلك يفعل الطمع، والشهوة أيضاً.. هكذا تستهلك قدراتك وطاقتك سدىً.. الرغبات والشهوات تسيطر عليك، تدمر قدراتك وطاقتك، وتبقيك إنساناً فارغاً تافهاً. الطاقة هي البهجة، وعندما تستهلك كل طاقاتك، كيف ستشعر بالبهجة والفرح؟ ولكن، حين تحسن استغلال طاقاتك فإن حياتك ستمتلئ بالفرح، أي أن فيضاً من البهجة سينطلق منك.. يعني أنك ستصبح إنسان آخر يفيض بالحياة والحب. ولن يكون بمقدورك أن تصبح هذا الإنسان اًلآخر إلا بعد أن تنجح في اختبار معنى العطاء.. والذي يعني الحب الدافئ، إنه مشاركة الآخرين الفرح والسرور.. إنه إشراك الآخرين في وجودك، وتكون مباركاً منهم.. هذا هو العطاء. وبسبب الشغف يمكننا أن ننجرف إلى دوامة الحرب.. ويقول «فرويد»، في كتابه: «الحب والحرب والحضارة»: لم يحدث أن ضلل شيء أذكى العقول، ولا حدث أن سفه شيء أسمى ما عرفه الإنسان بقدر ما تفعل الحرب.. وحتى العلم يفقد موضوعيته وحياده وسُخر لإلحاق الهزيمة بالآخر.. ويندفع علماء الأنثروبولوجيا إلى إعلان انحطاط أصول الخصوم، ويدعي علماء النفس أن العدو مصاب في عقله وأنه قد اعتلت روحه.. رغم ميلنا إلى الاعتقاد بأن الحرب هي صنعة البدائيين، وأنها تندلع بين عصبيات بدائية متخلفة.. لأنها تمثل سلسلة من معاناة البشر ويتعذب معها الضمير الحي، فهي مريرة وعنيفة وحقودة وعتيدة وعنيدة، لا تميز بين مدنيين وعسكريين، وتقوض كل العهود والمواثيق، وتتجاهل ما للمسالمين من خدمات وحقوق، وتهتك كل أواصر التعايش والتعاون والوفاق الاجتماعي، وتمزق كل الروابط والقيم الأخلاقية والإنسانية، وتخلف تركة ثقيلة وميراثاً من الحقد والمرارة، وتنحسر معها منظومة الأخلاق وتهبط المبادئ وتهوي القيم، وتنتقص قدسية الإنسان وخصوصيته وحقه في اختيار نوع الحياة التي يريد، وتقلل من فرص بقائه.. ويصبح معها مستحيلاً، ولزمن طويل، بعث هذه الروابط وتجديدها.. وكل ذلك نتاج حقيرلشغف الإنسان في الانصياع لأهوائه الخالصة، وتوظيف مصالحه لخدمة وتبرير أهوائه.. ونختم بالقول: إن الشغف نقمة والعطاء نعمة.. ففي الواقع إننا نحتار في تفسير الأسباب الحقيقية التي تجعل الإنسان يكره أخاه الإنسان، ويحتقره، ويزدريه حتى في أوقات السلم.. بينما الأمر الطبيعي يوجب أن يكون هناك مزيد من الصدق والاستقامة في التعامل الشخصي بين الأفراد، حكاماً ومحكومين، وبذلك فقط نتعلم معنى العطاء ونتعاطاه، ونتمكن من تغيير هذا الواقع المؤسف، ونجعل من التغيير الذي ننشده هدفاً أسهل تحققاً، وغاية أقرب منالاً. [email protected]