سادساً: على الرغم من أنهم أضحوا في السلطة «الحكومة» «والرئاسة» «كبار المستشارين السياسيين» إلا أنهم لم ينبسوا ببنت شفه تقريباً حول ما أطلق عليه « هيكلة القوات المسلحة والأمن» التي روجت لها كافة الأوساط السياسية والإعلامية والعسكرية بوصفها الحل الأكثر نجاعة لاختلالات السلطة البنيوية المنهارة بمجرد ضعف القبضة العسقبلية، هذه البنية المعتمدة على السلطة المطلقة للطغمة العسقبلية السابقة ورأسها الفاسد فساداً مطلقاً. والقوات المسلحة والأمن في الشمال سابقاً لم تبن على عقيدة عامة مفصلها الأساس الدفاع عن السيادات الجغرافية والسياسية والثقافية وحماية المجتمع برمته فمنذ 1969 1970 دخلت القوات المسلحة والأمن التي تديرها الطغمة العسقبلية سابقاً تحت قيادة رئيس الأركان حسين المسوري في دائرة الاختلالات البنيوية والثقافية ورضخت للتدخلات المباشرة خارجياً بل واستخدمت لأغراض كبار الفاسدين من داخلها ومن خارجها. فمن الناحية البنيوية استكمل العسقبليون الذين أزاحوا بقوة السلاح والمليشيات القبلية المدعومة مالياً ولوحستياً من خارج الحدود، القوات المسلحة الناشئة والناجمة عن قيام الجمهورية في سبتمبر 1962م في مواجهات عسكرية غير متكافئة من حيث مسرح العمليات وموازين القوة العسكرية والاجتماعية المرتبطة بالطابع العصبوي القبلي، ومنذ 1969م وتحديداً بعد اغتيال بطل السبعين يوماً رئيس هيئة الأركان عبدالرقيب عبدالوهاب، نهج العصبية الجهوية والطائفية في بناء القوات المسلحة والأمن لقمع الاحتقان السياسي والاجتماعي التي كانت تمثله الظاهرة الحزبية المنتمية جهوياً واجتماعياً إلى المناطق الحضرية المتريفة في كل من تعز وإب والحديدة. وزادت حدة الاستقطاب الجهوي في القوات المسلحة والأمن فيما كان يسمى «الجمهورية العربية اليمنية» سابقاً لمصلحة المنطقة القبلية الشمالية ذات الإطار المذهبي شكلاً وذات الجوهر المصلحي السياسي المقاد من شيوخ القبائل وشيوخ الإقطاع التقليدي. وبعد إبرام اتفاق المصالحة بين شقي شيوخ القبائل وشيوخ الإقطاع التقليدي المعززين بثقافة التخلف، الجمهوريين والملكيين، انتقلت القوات المسلحة والأمن إلى حضن القبلية بعد اغتيال المقدم إبراهيم الحمدي أواخر 1977م، وأدى هذا الانقلاب العسكري إلى تفاقم الوضع البنيوي للقوات المسلحة والأمن حيث تم احتكار المدارس والكليات العسكرية والأمنية من قبل الطغمة العسقبلية لمصلحة المنطقة القبلية وحرمان المناطق الأخرى من الانتساب إلى هذه المدارس والكليات منعاً لتكرار تجربة السنوات الأولى للجمهورية والتي ضخت مئات من الضباط ودفعت بهم إلى المواقع القيادية العسكرية والأمنية. لقد تم تغيير البنية الطبيعية للقوات المسلحة والأمن وخضعت بعدئذ للاستخدامات الوظيفية سيئة السمعة في قمع سكان المناطق المهضومة والاشتغال في أتون الجريمة المنظمة، وتم تدمير كل القيم الإنسانية الإيجابية وإحلال قيم الأنانية المفرطة والاستحواذ على المال بأية وسيلة، وهناك تجربة مريرة لهذا المسلك الانجرافي للوظيفة العامة أكانت مدنية أو عسكرية حيث انغمس الكل في الرشى والتهريب وحماية التهريب وفي الإتجار بكل أنواع الممنوعات وتكوين عصابة نهب الأراضي والمضاربة بها. وبعد حرب 1994م سارعت الطغمة العسقبلية إلى إعادة النظر في بنيوية القوات المسلحة والأمن بعد إدراكها بأن القوات المسلحة والأمن المحمولة على وحدة 22 مايو1990م قد أعادت الأمور إلى ما قبل أحداث أغسطس 1968م ولكن بصيغة جديدة تمتعت بحصانة ومرجعية اتفاق التوحيد الذي اتفق عليه في نوفمبر 1989م. وتعامل العسقبليون وحلفاؤهم مع القوات المسلحة والأمن الجنوبية التي رفضوا إدماجها في قواتهم المسلحة والأمن بمنهجية خبيثة وبخبرة محطات المواجهة مع الجيش الشاب.